خاص : الإنغماسيون .. سلاح داعش الفتاك

هيئة التحرير 4.1K مشاهدات0

الإنغماسيون .. سلاح داعش الفتاك

 – عبد العزيز الخطيب

باحث في شؤون التطرف

لعل اهم ما يميز داعش منذ تأسيسها الى الان هو مستوى الوحشية والجراءة في القتال ورأس حربة هذا التوحش هو الانغماسيين

بهذه الكلمات افتتح عبد الله الموصلي (اسم مستعار لأحد قيادات الفصائل المسلحة المتواجدة داخل الموصل) وصفه لداعش وتابع قائلاً: “المتابع لمعارك داعش الأخيرة خصوصاً الحاسمة منها يرى أن قوتهم الضاربة وسلاحهم الفتاك يكمن فيمن يعرفون بـ (الانغماسيين)، أولئك الذين يقودون المفخخات أو يرتدون الأحزمة الناسفة أو يكونون في الصفوف الأولى من المهاجمين، يسيرون الى الموت بأرجلهم لا يبالون برصاص ولا يعبئون بنار، يقتحمون اقتحاما وينغمسون انغماسا، وأغلبهم ممن يُسمَّون بـ(المهاجرين) ممن جاؤوا من بلدان بعيدة، وجلهم جاء ليموت، أو بحثا عن الشهادة على حد زعمهم”.

والملاحظ على هؤلاء الانغماسيين أنهم يحملون اعتقادا جازماً في أنهم على الحق الذي وغيرهم على الباطل ، وأنهم هم وحدهم على الإسلام وغيرهم في كفر وردة، اعتقادا لا يتزعزع ابدا، تحولوا بسببه الى قنابل موقوتة تريد أن تنفجر على خصومهم في أقرب فرصة حتى ولو كانوا رفقاء الجهاد بالأمس القريب.

فمن أين جاء هذا الاعتقاد؟! وكيف تشكلت هذه العقلية؟!

أسباب عديدة وراء تشكيل هذه العقلية الانعزالية، لعل أهمها هو توظيف داعش لأحاديث الفتن والملاحم لصالحهم، وتنزيلها على أنفسهم:

فهم – في تصورهم – الخلافة الراشدة التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة)، وهم أصحاب الملحمة الكبرى التي ذكرها صلى الله عليه وسلم: (إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق من خير منازل المسلمين يومئذ ) وهذه الملحمة تقع أحداثها اليوم بزعمهم، وفي هذا السياق جاءت تسمية أشهر مجلاتهم بـ(دابق) الصادرة بغير العربية، وحرص داعش عليها أكثر من حرصها على إصدار أخرى بالعربية، وما ذاك إلا أنها كانت سببا في هجرة العديد من الأجانب الى داعش بزعم أن دابق قد حان وقتها، وما الإصدار المرئي (والموعد دابق) عنا ببعيد.

وهذا الامر ربما يفسر لنا شيئاً من الخلاف الشديد والقتال الكبير بين داعش والقاعدة –النصرة، فقد طلب من داعش أن تختص بالعراق دون الشام، لكن البغدادي رفض ذلك رفضا قاطعا؛ لأنه لا يريد التفريط بالشام التي جاءت فيها بعض النصوص المذكورة.

ويضيف الموصلي: “اننا لا نشكك أو نطعن بالنصوص النبوية –معاذ الله-، فهي أحاديث صحيحة نؤمن بها ونسلم لها، وإنما نحن في صدد التنبيه على استثمار هذه النصوص من خلال التنزيل الخاطئ لها من قبل أناسٍ لا علم لهم ولا فهم، إلا لغاية خبيثة وهي تجنيد الشباب والتغرير بهم، وأذكر حين أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش، وزعت الاخيرة “داعش” على خطباء الجمعة في مدينة الموصل خطبة موحدة، جاء فيها أن هذه التحالف هو المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم (يسيرون إليكم على ثمانين غاية .. تحت كل راية اثنا عشر ألف فسطاط …)، وأذكر عند خروجنا من المسجد بعد انتهاء الخطبة قال لي صاحبي: أليس يسبق الملحمة الكبرى صلح وهدنة مع الروم كما جاء في حديث الملحمة، فتبادلنا الابتسامة عجبا وانصرفنا خوفا”.

هذا الكلام يعيدنا الى الماضي حيث سنة 1980م _ 1400هـ في الحادثة المعروفة بـ(فتنة جهيمان) في السعودية، عندما ادعت جماعة جهيمان أن المهدي خرج وهو (محمد بن عبد الله القحطاني) صاحبهم، واعتقدوا اعتقادا قاطعا أن أحاديث المهدي تنطبق عليه بشكل كامل، وأعدوا العدة للخروج المسلح لنصرته انطلاقا من هذه الاعتقاد، مع أن أحاديث المهدي تنص على أنه عدناني وليس قحطانيا، لكنه العمى والهوى ..!!

جاء في شهادة أحد أعضاء الجماعة هذه:

أن أفراد الجماعة كانوا ينامون ويدعون الله أن يريهم رؤية تكشف لهم حقيقة (القحطاني)، فكانت رؤاهم تتواطأ على أنه هو المهدي، فأصبح الجميع يعتقدون ذلك اعتقادا جازما.

وعندما وقعت الاحداث واقتحمت الجماعة الحرم، واحتلوه بقوة السلاح، وقتلوا من قتلوا، ووقعت المجازر، في أثناء الاحداث جاءت قذيفة الى (القحطاني) وهو واقف بين الصفا والمروة فشطرته نصفين ومات من فوره وأمام أصحابه، وبعد انتهاء الاحداث: قُتل من قُتل من الجماعة، وأعتقل الباقون، وفي السجن كان افراد الجماعة يقولون إن (القحطاني) لم يقتل؛ فهو المهدي، والمهدي لا يُقتل.

فيا للعجب كيف تحول هذا الفكر المنحرف الى اعتقاد يُكذِّب حقائق الواقع، ويؤدي الى مجازر فظيعة ومفاسد عظيمة، بل وربما يؤدي بأصحابه إلى تكذيب النصوص الشرعية إذا لم تطابق أفكارهم، كما حدث مع أبي حمزة المهاجر – وزير الحرب السابق لتنظيم الدولة-، فقد ذكر أبو عبد الله المنصور شيخ البغدادي السابق في كتابه (الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم) عن نائب مسؤول جيش المجاهدين أن الأخير التقى هو وآخر بأبي حمزة المصري بعد إعلان دولتهم الموهومة بأيام قليلة، وقد قال أبو حمزة في هذا اللقاء: (لقد صنعنا للمهدي منبرا؛ لأنه سيظهر بعد مدة وجيزة، وأقسَمَ أنه إن لم يكن جنود الدولة الإسلامية هم جيش المهدي فلا جيش للمهدي!) والعجيب أنه أراهم صورة هذا المنبر!

وعموما فالجماعات المتطرفة عامة ترى أن عصرنا هذا هو عصر الملاحم الكبرى، وأحاديث الفتن والملاحم تروج وتنتشر بين أجيال داعش والقاعدة، فحالة الضعف والهوان تدفع الى الاستشراف والتعلق بالبشائر، ومن ثم إسقاط هذه الأحاديث على الواقع.

 

إن هذه الأحاديث من الغيب الذي أمتدح الله المؤمنين به في قوله (والذين يؤمنون بالغيب)، وهي ليست من أحاديث التكليف فتنزيلها على الواقع غير واجب ولا يترتب عليها تكليف، بل يترتب على هذا التنزيل مفاسد عديدة: منها التألي على الله تعالى بالقول عليه بلا علم ، والاستهانة بالنصوص الشرعية، وفتح المجال أمام اهل الضلالة ليُلبسوا على الناس بادعاء ما لا يصح، وما يترتب على هذا التأويل الخاطئ من جرائم ومجازر، فضلا عما يؤديه من تكذيب للنصوص كأثر رجعي لما يحدثه التنزيل الخاطئ في هذا الباب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: