لماذا يصمم اردوغان على المشاركة في معركة الموصل

مشرف 1.9K مشاهدات0

استعدادات عسكرية متصاعدة لمعركة الموصل، شمالي العراق، يرافقها تصاعدا في حدة التوتر بين أنقرة وبغداد.

السبب الظاهر لهذه الأزمة هو الإصرار التركي على المشاركة في المعركة، مقابل رفض من حكومة بغداد لذلك، وطلبها انسحاب القوات التركية من شمال العراق، ووراء الظاهر يدور صراح خفي في الكواليس تمتد أطرافه لتشمل قوى إقليمية ودولية بينها الولايات المتحدة وإيران.

الموقف التركي:
رغم انتقاد حكومة بغداد للموقف التركي واعتباره «تدخلا في الشأن الداخلي العراقي»، إلا أن أنقرة لديها حيثيات معتبرة وأسباب مشروعة وراء الإصرار على المشاركة في معركة الموصل، التي تهدف إلى استعادة المدينة من قبضة تنظيم داعش، ومن بينها من يلي:

1- استراتيجية الأمن القومي

رسمت تركيا لنفسها استراتيجية قائمة على تحييد كل مهددات الأمن القومي، والتي تحصرها في 3 تنظيمات هي: تنظيم داعش، «جماعة فتح الله كولن»، و«حزب العمال الكردستاني المعارض» (بي كا كا).

لذلك فهي تريد المشاركة في المعركة لأنها مرتبطة على نحو وثيق باثنين من هذه المهددات، وهما «داعش» و«بي كا كا».

فتركيا يهمها هزيمة تنظيم داعش في شمال العراق؛ حتى ينتهي تهديده لجنوبها المثقل أصلا بهجمات متمردي «بي كا كا».

ولا تريد تركيا أن يهرب مسلحي داعش من الموصل إلى شمالي سوريا؛ فيزيد تهديدهم للقوات التركية هناك.

كما أن هناك أنباءً تتردد على أن حكومة بغداد تريد ضم مسلحي «بي كا كا» إلى القوات المشاركة في عملية الموصل، وهو أمر آخر يزيد، كذلك، من الرغبة التركية في التواجد في معركة الموصل؛ حيث أن مشاركة مسلحي هذه المنظمة في المعركة يضفى عليها صفة رسمية، ومزيد من المشروعية على الساحة الدولية.

وأخيرا، حاولت واشنطن تبديد القلق التركي في هذه المسألة؛ عندما أكدت أنها لن تدعم مشاركة «بي كا كا» في معركة الموصل.

2- المسألة الكردية:

المسألة الكردية هي العنصر الثاني من استراتيجية الأمن القومي التركي، والتي لا تبدي أنقرة تهاوناً بشأنها.

فالأكراد يتركزون في جنوب شرقي تركيا، وشمالي العراق، وشمالي سوريا، وشمال غربي إيران، ومشروعهم يقوم على إنشاء دولة كردية عبر اقتطاع أجزاء من الدول الأربعة، وهو الأمر الذي تكافح الدولة التركية من أجل منع تحقيقه.

إذ تراقب تركيا بقلق اتساع نفوذ الأكراد ومساعيهم الدؤوبة لإنشاء دولتهم سواء في شمال سوريا أو في شمال العراق؛ حيث يستغلون القتال الدائر في البلدين لتوسيع مناطق نفوذهم؛ لذلك كانت حملة «درع الفرات»، التي أطلقتها أنقرة في شمال العراق، في 24 أغسطس/آب الماضي، وأحد أهدافها تحجيم نفوذ تنظيم «الحزب الديمقراطي الكردي السوري» (بي ي د)، الذي تعتبره الجناح السوري لتنظيم «بي كا كا»، وتقليص المساحات التي تمددت فيها قواته، ليحل محلها قوات «الجيش السوري الحر».

وعلى نفس المنوال تري تركيا مؤشرات على توسيع الأكراد نطاق نفوذهم في شمال العراق؛ حيث سيطروا مؤخرا على مدن عديدة في شمال العراق، ومنها: «ذمار»، و«اليعربية».

لذلك تصر تركيا على التواجد في معركة الموصل لضمان عدم انضمامها إلى مناطق نفوذه الأكراد بعد إخراج تنظيم داعش منها.

وحكومة إقليم كردستان العراق، التي تتمتع بعلاقات طيبة مع تركيا، بخلاف حكومة بغداد، مدركة لذلك التخوف التركي؛ لذلك ترسل تطمينات لها؛ تتضمن تأكيدات على أن قواتها «البيشمركة» ستمثل عنصر إسناد في معركة الموصل، وأنها ستبقى عن حدود الموصل، ولن تدخل إلى المدينة بعد إخراج تنظيم داعش منها.

3- أزمة اللاجئين:

تركيا التي تستضيف حوالي 2.7 مليون لاجئ تخشى من موجة لجوء أخرى لأهالي الموصل، ذات الأغلبية السنية؛ لأنها لا تستطيع ببساطة استقبال المزيد من اللاجئين؛ فأهالي الموصل، إذا تعرضوا لاضطهاد أو محاولات تهجير، لن يذهبوا بطبيعة الحال إلى سوريا، بل سيتحركون شمالا نحو تركيا.

لذلك تريد أنقرة اتخاذ إجراءات ضرورة للتأكد من أن سكان الموصل سيبقون في مدينتهم بعد طرد تنظيم داعش منها.

ومما يزيد المخاوف التركية في هذا الصدد التحذيرات الأممية من حدود موجة نزوح ضخمة من الموصل عند بدء المعركة؛ حيث تقول إن الهجوم المرتقب على الموصل قد يؤدي، إذا ما طال أمده، إلى نزوح أكثر من مليون عراقي إضافي.

4- حزام سنى آمن:

تريد أنقرة إحداث نوع من الموازنة في شمال العراق والإبقاء على كثافة سنية تكون بمثابة حزام آمن لها ، ويقدم لها العون في عملياتها ضد مسلحي «بي كا كا» المتمركزين في جبال قنديل، شمالي العراق.

وللموصل أهمية كبيرة في تحقيق هذا الهدف؛ فهي تعد أكبر مدن العراق من حيث الكثافة السكانية، والتي تتراوح تقديراتها بين 1.5 و2 مليون نسمة من إجمالي سكان العراق البالغ نحو 35 مليون نسمة.

وغالبية سكان الموصل من السنة، وهي التركيبة السكانية التي تريد أنقرة الحفاظ عليها؛ إذ قال الرئيس التركي في حوار متلفز مؤخرا: «يجب أن يبقى في الموصل بعد تحريريها أهاليها فقط من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد».

وتؤكد تركيا هنا على أحقية القوات التي دربها سواء من أهالي الموصل، وعددها 3 آلاف، أو «البيشمركة»، وعددهم نحو ألفين، في تقدم الصفوف الأمامية لمعركة الموصل.

الموقف العراقي:
صعدت حكومة بغداد بشدة ضد القوات التركية في العراق، والتي يعود تواجدها ضمن قوات التحالف الدولي، إلى ما يزيد عن عامين؛ حيث تقيم معسكراً ثابتاً في منطقة بعشيقة، شمال شرقي الموصل، وإن كان هناك أصلا تواجدا لقوات تركية في العراق منذ عهد نظام «صدام حسين»، وباتفاق معه، وتحديدًا في عام 1995، لمراقبة تحركات ونشاطات حزب «بي كا كا»، وهجمات مقاتليه عبر الحدود.

ورغم ما في موقف حكومة بغداد من تناقضات إلا أنها تستند فيه على عدة مبررات:

1- التدخل في الشؤون الداخلية

تعتبر بغداد أن التواجد التركي في شمال العراق، والذي يتراوح بين ألفين إلى 3 آلاف جندي إلى جانب عشرات الآليات العسكرية، هو تدخل في شؤونها، وجاء على غير إراداتها.

لكن فيديو بثته وكالة «الأناضول» التركية، الأسبوع الماضي، يظهر رئيس الوزراء العراقي، «حيدر العبادي»، وهو يطلب المساعدة العسكرية من تركيا.

مقطع الفيديو كان عبارة عن مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء العراقي عقده في 25 ديسمبر/كانون أول 2014 مع «أحمد داود أوغلو»، رئيس الوزراء التركي السابق.

وجاء فيه على لسان «العبادي»: «داعش  لا يهدد أمن العراق وتركيا فحسب، بل يهدد أمن المنطقة بالكامل، ولهذا يجب أن يكون هناك تعاون في هذا المجال، ولهذا ننتظر من الجارة تركيا وأيضاً السيد رئيس الوزراء أبدى استعداده في تقديم مثل هذه المساعدات سواء على الجانب الأمني والاستخباري والعسكري على مستوى التدريب والتجهيز وحتى على مستوى السلاح حصل هذا الكلام».

كما بثت «الأناضول» فيديو آخر لزيارة أجراها وزير الدفاع العراقي المقال، «خالد العبيدي»، إلى معسكر بعشيقه، في 29 نوفمبر/تشرين ثان 2015، وهو دليل آخر على ترحيب حكومة بغداد بالتواجد التركي.

2- المسألة الموصلية:

تاريخيا تُعتبر الموصل ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا؛ فكانت المدينة العراقية منذ أقل من قرن جزءًا من الدولة العثمانية، واحتلتها القوات البريطانية بعد توقيع «هدنة مودروس» عام 1918 بين الدولة العثمانية والحلفاء، التي نصت على توقف الحرب بين القوات البريطانية والعثمانية، ولهذا اعتبر الباب العالي ما حصل وقتها خرقا للهدنة، دون أن ينجح باستعادة الموصل.

ولاحقا، عندما وقعت تركيا «اتفاقية لوزان» عام 1923، التي تعتبر النهاية الرسمية للإمبراطورية العثمانية والاعتراف بالجمهورية التركية الجديدة وفق الحدود الجديدة المتفق عليها، بقيت قضية الموصل خارج المعاهدة لتبت فيها «عصبة الأمم»، التي أرسلت بدورها لجنة تقصي حقائق أوصت بأن تبقى المدينة تابعة للعراق، ووافقت تركيا على ذلك ووقعت اتفاقية ترسيم حدود مع العراق عام 1926، وبقيت الموصل تابعة للعراق، الذي غير اسم المحافظة إلى «نينوى».

ورغم أن نزاع الموصل انتهى من الناحية القانونية بإبرام هذه الاتفاقية، إلا أن القادة العراقيين على ما يبدو لا تزال لديهم مخاوف من وجود أطماع تركية في الموصل، الأمر الذي حاول الرئيس «أردوغان» في تصريحات له مؤخرا؛ حيث أكد أن «تركيا ليست لديها مطامع ولو في شبر واحد من أراضي وسيادة غيرها، ولا نملك هدفًا غير حماية أراضينا وسلامة المسلمين في المنطقة».

تنفيذ املاءات لقوى نافذة:

الموقف العراقي، وما به من تناقضات، يبدو أنه مرتبط بشكل أو بأخر بتنفيذ إملاءات من قوى أخرى نافذه في بغداد، وتمارس لعبة المساومات مع تركيا، وهي إيران والولايات المتحدة، وهو ما يتضح في السطور القادمة.

الموقف الإيراني:
1- الحزام الشيعي:

إيران، التي تتمتع بنفوذ في العراق أكثر من الحكومة المركزية في بغداد، يهمها أن تكون قوات «الحشد الشعبي»، المكونة من فصائل شيعية تكن لها بالولاء، في مقدمة القوات المشاركة في العملية، لتقوم الأخير بممارسة الدور الذي لعبته في أكثر من معركة شاركت فيها مؤخرا عبر تغيير ديمغرافية المدينة بحيث يكون المكون الشيعي له الغالبية.

وترمي طهران من وراء هذه الخطوة إلى إنشاء حزام شيعي في هذا المنطقة، ذات الغالبية السنية؛ ما يخلق نوع من التوازن يمنع تمدد تهديدات الدولة الكردية إليها؛ حيث تواجه جماعات مسلحة تسعى إلى هذا الهدف في مناطقها الشمالية العربية، وبينها «حزب حياة حرة» (بيجاك) الكردي، و«الحزب الديمقراطي الكردستاني».

كما تجهض إيران بذلك الخطوة التركية الساعية إلى إنشاء حزام سني قد يقوي نفوذ أنقرة في المنطقة.

2- المسالة السورية:

الأمر يبدو أنه ليس بعيداً عن الحرب في سوريا؛ حيث تختلف مواقف أنقرة وطهران كليا؛ فالأولى تدعم المعارضة والثانية تدعم «بشار الأسد»، أحد أذرعها في المنطقة، وقد تكون ورقة الموصل نوع من تشديد الضغوط على تركيا، والمساومة على مستقبل سوريا.

الموقف الأمريكي:
الولايات المتحدة على تباين مع تركيا في أكثر من موضوع إقليمي، وفي العراق، وقد تضاعف هذا التباين بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو/تموز الماضي، والتأخر الأمريكي في إدانة هذه المحاولة. وإذا كان تم تجاوز هذا الخلاف نسبياً، في إعطاء تركيا جائزة ترضية بدخول قواتها إلى سوريا عبر عملية «درع الفرات».

لكن الخلاف، على ما يبدو، لا يزال قائما؛ إذ لا تريد واشنطن أن تتولى تركيا دوراً في العراق بعدما رفضت الأخيرة المشاركة في حرب العراق عام 2003.

خلاصة الأمر:
الموقف الرافض لمشاركة تركيا في معركة الموصل تتداخل فيها عدة قوى، وحلله هذا الموقف ليس بيد حكومة بغداد، بل بيد القوى النافذة سواء إيران أو أمريكا.

وستلعب السياسة التركية في الأيام المقبلة الدور الحاسم في الأمر عبر المفاوضات مع الطرف الأمريكي تحديدا، والذي ستكون حساباته مرتبطة بالدور التركي الذي يريده في معركة مدينة الرقة، شمالي العراق.

وتركيا في نهاية المطاف ستتخذ ما يلزم لحماية مصالحها وأمنها القومي في العراق، وهو ما أكدة الرئيس التركي، بالقول: «نحن مصممون على المشاركة في قوات التحالف من أجل الحفاظ على وحدة العراق، وفي حال رفض التحالف سنُفعّل الخطة (ب)، وإذا لم تنجح هذه، أيضًا، سننتقل إلى الخطة (ج)؛ فتركيا ليست دولة قبلية وليعلم الجميع ذلك».

 

المصدر | الخليج الجديد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: