قاعدة القيارة تهدد الوجود العسكري الامريكي في العراق

هيئة التحرير 5K مشاهدات0

  

تعتبر قاعدة القيارة العراقية، واحدة من أهم القواعد العسكرية في العراق، تقع على بعد 65 كيلومترا جنوب الموصل ضمن حدود محافظة نينوى الحدودية مع سورية وتركيا، كما تبعد القاعدة 300 كيلومتر عن بغداد. أنشأت القاعدة في سبعينيات القرن الماضي من قبل شركة عسكرية يوغسلافية، وكانت من ضمن برنامج العراق العسكري الذي عرف حينها باسم الاستفادة من دروس الحروب العربية مع “إسرائيل” عامي 1967 و1973.

تبلغ مساحة قاعدة القيارة نحو 26 كيلومترا وتتألف من مدرجين بطول 3505 أمتار و3596 مترا، وحوالي 33 حظيرة طائرات محصنة تنتشر في القاعدة، ويحيط بها سياج بقطر 20 كيلومترا، ومع السياج حزام أخضر من الأشجار يحيط بالقاعدة لحجب الرؤية وضمان السرية. وتتسع القاعدة لنحو 50 طائرة مقاتلة بمختلف الأنواع، فضلا عن أنها تتسع لنحو 5 آلاف جندي، وتحوي ثلاثة معامل لصيانة وتأهيل المقاتلات، فيما يوجد فيها مهابط دائرية خاصة للمروحيات القتالية، وتضم أبراجا وتلالا صناعية كانت تستخدم في نصب أجهزة الرصد والمراقبة الجوية العميقة.

يجري الحديث هذه الأيام عن استمرار تثبيت الأمريكيين أرجلهم في قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل، بعد وصول عشرات العسكريين الأميركيين إليها برفقة مهندسين وفنيين وعمال بناء، باشروا أعمال ترميم القاعدة وإعادة تأهيلها مجددا؛ بعد نحو شهر على تحرير القاعدة.

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وبحسب تسريبات مقربة منه، منح الضوء الأخضر للجيش الأميركي لاستخدام القاعدة كيفما يشاء في جهود محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش من دون أن يحدد سقفا زمنيا لبقاء الجيش الأميركي فيها.

واقع الحال أن القوات الأمريكية تستعجل تأهيل القاعدة، وهي باشرت بتأهيل مدرجي الطائرات وقاعات المبيت ومرابض مبيت الطائرات، التي شكلت نقطة فارقة في حياة العراقيين طيلة الأربعين سنة الماضية، إذ استخدمها العراق في حربه مع إيران، ومنها كانت تنطلق طائرات “ميراج” و”سوخوي” لقصف العمق الإيراني مثل عبادان وطهران. ومنها تحركت كتيبة الصواريخ الثالثة لتقصف تل أبيب عام 1991، قبل أن تدمر بشكل شبه كامل في الحرب الأخيرة التي انتهت باحتلال العراق عام 2003. لتعيد القوات الأمريكية ترميمها واتخاذها قاعدة لها منذ العام 2004 ولغاية العام 2010، ثم تسلمها إلى الفرقة الثانية بالجيش العراقي عقب انسحابها من العراق. وفي 11 حزيران 2014، انسحب الجيش العراقي منها ليسيطر عليها تنظيم “داعش” بالكامل، بما فيها من أسلحة ومعدات عسكرية تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، شملت عربات مصفحة ودبابات وكاسحات ألغام وأسلحة متوسطة وثقيلة ومعدات رصد جوي مختلفة.

 

تبدو الولايات المتحدة في حالة من التردد إزاء علاقاتها بحليفتها تركيا لا سيما بعد الانقلاب الفاشل الأخير والذي أضعف من هيمنة الجيش التركي في المشهد التركي العام وشعبيته، وهي تخطط للتخلي عن قاعدة إنجرليك التركية بهذه الخطوة، فقاعدة القيارة مكان ممتاز للأمريكيين وهو أقرب لساحات المعارك في العراق وسورية، وأكثر قربا من المنطقة العربية بشكل عام، ومن الحدود الإيرانية مع العراق، ما يبرر استعجالهم في عمليات التأهيل قبل نهاية العام الحالي.

الولايات المتحدة الأميركية خصصت أكثر من 20 مليون دولار لتأهيل قاعدة القيارة، وهي مهتمة كثيرا بإعادة إعمار القاعدة العسكرية، بسبب موقعها الاستراتيجي. وستكون القيارة قاعدة مشتركة للطائرات العراقية من طراز أف 16 التي اشترتها بغداد أخيرا من الولايات المتحدة، الطائرات الأميركية كانت تحتاج ما بين 20 إلى 25 دقيقة للوصول إلى هدفها في العراق ونحو 30 دقيقة للوصول إلى هدفها في سورية منطلقة من أنجرليك، لكن إذا انطلقت من قاعدة القيارة ستحتاج لأقل من خمس دقائق لضرب أهداف في العراق وأقل من 10 دقائق لضرب أهداف داخل سورية، وهذا سيوفر عليها الكثير من المال والجهد وصيانة الطائرات، كما يعتقد الأمريكيون.

السفير الأمريكي في بغداد ستيوارت جونز قال في تصريحات إن “قاعدة القيارة لن تكون بديلة عن أنجرليك لكن ستكون مركزا للدعم اللوجستي”. وأضاف أن “القوات الأميركية التي ستصل إلى العراق ستكون في هذه القاعدة بهدف تقديم الدعم اللوجستي”، مشددا على أن “هذه القوات ليست قتالية وإنما تتألف من مهندسين ولوجستيين وفنيين، وربما كانت هذه التصريحات الدبلوماسية مجرد امتصاص لغضب العراقيين وميليشيات الحشد الشعبي التي سارعت إلى رفض استعمال القاعدة من قبل واشنطن، إذ اعتبر الأمين العام لمليشيا “بدر” هادي العامري والأمين العام لمليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، القوات الأميركية أنها هدف عسكري مشروع وسيتم التعامل معها كاحتلال، فيما أعلنت قيادات في التحالف الوطني أنها تنتظر توضيحات من رئيس الوزراء حول الموضوع، معربة عن رفضها للخطوة.

تمتلك واشنطن في العراق قاعدتين، الأولى في الحبانية غرب الفلوجة، والثانية في قاعدة عين الأسد غرب الرمادي والقريبة من المثلث العراقي السوري الأردني، وكلاهما قاعدتان جويتان. كما تمتلك في أربيل قاعدة ومعسكرا، غير أن قاعدة القيارة تمثل عقدة ربط بين بلدان مهمة، أبرزها إيران التي يمكن للطائرات أن تنطلق من القاعدة وتصل أولى المدن الإيرانية بأقل من 25 دقيقة، وهذا ما قد يفسر سبب انزعاج إيران وحلفائها.

لقد أصبحت قاعدة القيارة ضمن خارطة الوجود الأميركي في العراق بشكل أو بآخر، لكن موضوع تحولها لبديل عن أنجرليك هو ملف سياسي بالدرجة الأولى، على الرغم من أن قاعدة القيارة العراقية أفضل عسكريا لطيران التحالف الدولي أو الأمريكي، ويعتمد الموضوع بالدرجة الأولى على تطورات العلاقة مع الحليفة تركيا عقب الانقلاب الفاشل، وإن كان الطموح الأمريكي للتسريع بعملية تحرير الموصل والرقة من تنظيم داعش يغلب على أي حسابات سياسية أخرى!

المصدر: inp – هشام منور

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: