كيف حولت ايران محافظات العراق الجنوبية لساحات تدريب لمليشياتها

هيئة التحرير 1.5K مشاهدات0

المليشيات الشيعية

في إطار سياسة عدم الرضا التي تبديها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسياسة الخارجية التي يتبعها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والتي كان آخرها التوتر المفتعل مع الحكومة التركية، أوفدت الإدارة الأمريكية قبل عدة أيام الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي للقاء المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء العراقي ووزير دفاعه خالد عبيدي، إذ التقى بهما كل على حدا، ونظرًا لأهمية هذا اللقاء  بالنسبة للإدارة الأمريكية حضر هذين الاجتماعين المنفصلين ستيورات إي.جونز السفير الأمريكي في العراق.

ففي اللقاءين المنفصلين أبلغ لويد أوستن كل من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير دفاعه خالد العبيدي بأن الولايات المتحدة الأمريكية منزعجة جدا من الأزمة الدبلوماسية التي أججتها حكومته والمليشيات الشيعية على خلفية ارسال الحكومة التركية بعض من جنودها ومعداتها العسكرية إلى الداخل العراقي وتحديدًا بالقرب من مدينة الموصل. وأبلغ هذين المسؤولين بأن تركيا هي حليفة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وعضو فاعل في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” كما يتم أيضا استخدام قاعدة “انجرلنك”المتواجدة على أراضيها ضد ذلك التنظيم، لذا لن تقبل الإدارة الأمريكية أن تمارس الضغوطات السياسية على حليفها.كما أبلغهما بأن تركيا دولة مهمة للعراق كونها دولة الجوار المباشر له، ولديها من الأوراق السياسية كالورقة الكردية  التي من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على استقرار العراق إذا أرادت استخدامها ضدهم

وفي هذين اللقاءين أيضًا عرّج لويد أوستن إلى مسألة في غاية الأهمية والتي كانت “سببًا” في تلك الأزمة المفتعلة وهي موضوع السيادة العراقية، متسائلا لماذا  أبديتم كمسؤولين عراقيين غضبكم الشديد بشأن دخول القوات التركية أراضيكم وتعاملتوا مع هذا الدخول على أنه انتهاكا صارخا للسيادة العراقية، وتجاهلتم تماما الوجود العسكري الإيراني والمتمثل بالضباط الايرانيين الذين يقودون غرفة العمليات العسكرية في العراق، كما لم تبدوا أي اعتراض على الصواريخ الروسية التي تنطلق من بحر قزوين وتمر عبر مجالكم الجوي متجهة نحو سوريا، الأمر الذي أثر على الملاحة المدنية بشكل عام، كما لم تتطرقوا نهائيا عن الاختراقات المقاتلات الروسية يوميّا لذلك المجال؟ وفي إطار زيارته أيضا للعراق التقى لويد أوستن مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني للتأكيد على عمق العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والإقليم، وعلى التحالف في مواجهة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش”

فرسالة الولايات المتحدة الأمريكية عبر لويد أوستن واضحة للمسؤولين العراقيين بأن هذه الأزمة لها أبعادها وخيوطها ومحرضيها الإقليميين والدوليين، فالمحرض الإقليمي هنا إيران، فهي لا ترغب بالوجود التركي على الأراضي العراقية وخاصة في محافظاته الشمالية التي من شأنها مع مضي الوقت أن تحقق نوعًا من التوازن مع الوجود الإيراني الذي يسيطر بشكل كامل على محافظات الجنوبية والفرات أوسطية من العراق ناهيك عن سيطرته على بغداد. أما روسيا، فهي تسعى من وراء تلك الأزمة الانتقام من الحكومة التركية التي أسقطت المقاتلة الروسية في الشهر الماضي، فبعد أن أصبحت سوريا عبارة عن محمية روسية، تنظر الآن إلى ضم العراق إلى تلك المحمية وتتخذ من تلك الأزمة المفتعلة ذريعة للتدخل بذريعة أن الحكومة العراقية طلبت منها ذلك لمواجهة التدخل التركي ومحاربة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام. وقد يكون هذا التدخل مسألة وقت ليس أكثر.

ونضيف هنا إن تفطن! المسؤولين العراقيين لموضوع السيادة العراقية بشكل مفاجىء يبدو مستغربًا جدا، فالسيادة بشكل عام هي عملية تكاملية بين شكليها الداخلي والخارجي ولا تنفصل عن بعضهما. وفي هذا السياق نتساءل أين كانت السيادة العراقية في كل من الحالات الآتية: عندما بدّد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ثروات العراق، واستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية حتى احتل وفق المنظمات الدولية موقعًا متقدمًا ومتميزًا في سُلم الدول الراعية له! على المستوى الدولى، وتوحش الطائفية والاقصاء ضد أبناء المكون السُني، وتحويل العراق إلى مقاطعة إيرانية، حيث أصبحت العُملة الإيرانية هي المتداولة في الأسواق العراقية وخاصة في المحافظات الجنوبية والفرات أوسطية

عن أي سيادة يتحدثون ويدافعون عنها والمليشيات الشيعية سلطتها أقوى من سلطة رئيس الوزراء العراقي والتي تفرض عليه سياساتها، أي سيادة هذه تترك تلك المليشيات تفتك بالمواطنين العراقيين وخاصة السُنة ورعايا الدول الأخرى المقيمين على أرض العراق حيث يمارس ضدهم ومن قبلها الخطف والقتل والتعذيب والابتزاز المادي، وتغض النظر عن حرق مليشيات الحشد الشعبي الاطفال. فالسيادة وهيبتها الوهمية تظهر فقط أمام الحكومة التركية وأبناء المحافظات السنية في العراق

لم نسمع ولم نقرأ عن حكومة دولة في الجماعة الدولية سلكت مسلك كالذي خطته الحكومة العراقية تجاه مواطنيها وما أدل على ذلك عندما طلبت من أبناء تكريت الفارين من الواجهات العسكرية ضد تنظيم ”داعش” قبل دخولهم عاصمة بلادهم على وجود من يكلفهم فيها. هل المواطن في داخل وطنه بحاجة إلى تأشيرة مرور للتنقل من محافظة إلى أخرى؟ هذا الأمر يحدث في العراق. وعن أي سيادة يتمسكون بها ويقاتلون من أجلها عندما اقتحم آلاف الإيرانيين المنفذ الحدودي بين العراق وإيران بحجة إحياء الذكرى السنوية لأربعينية الأمام الحسين. لم نسمع أي شكوى عراقية ضد هذا السلوك المشين الذي يذكرنا بالموجات الجماعية في الحرب الكورية والحرب العراقية الإيرانية، فلم يهدد أي مسؤول عراقي النظام الإيراني، ولم يطالب باجتماع عاجل لمجلس الأمن ولا اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية. كما لم يتوجه هؤلاء المسؤولين العراقيين إلى ذات تلك الهيئات والمؤسسات العربية والدولية حينما قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها، وقال إن “جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد”، في إشارة إلى التواجد العسكري الإيراني المكثف في العراق خلال الآونة الأخيرة. ففي كل هذه الحالات غابت أو تغيبت السيادة العراقية. لأنه بالأساس لا توجد السيادة فقد أجهز عليها تمامًا مع النفوذ الإيراني وأدواته في العراق.

وعن أي سيادة يتكلمون حينما سمحوا لإيران بأن تحول المحافظات الجنوبية في العراق وخاصة كربلاء والنجف إلى معسكرات تدريب للمليشياتها الشيعية اليمنية واللبنانية والخليجية والباكستانية والأفغانية لتكون خلايا نائمة جاهزة للعبث بأمن دولهم، أو تصدرهم للقتال في سوريا ضد معارضي بشار الأسد.

وبهذه المعطيات الواقعية التي تمس جوهر السيادة العراقية الداخلية والخارجية، نرى من الصعوبة بمكان على هُواة العمل السياسي في الحكومة العراقية إقناع دولة عظمي كالولايات المتحدة الأمريكية بأن الأزمة مع تركيا أزمة نابعة من الحس الوطني وليس أزمة مفتعلة وأن غضبها المصطنع جاء نتيجة انتهاك سيادتها من قبل تركيا. فهذا التمثيل الدرامي العراقي الردىء والإخراج الإيراني والروسي له الضعيف، لا ينطل على الإدارة الأمريكية، فهي تدرك تمامًا ارتباطات هذه الأزمة إقليميا ودوليا لذلك أوفدت لويد أوستن قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي لها لإبلاغها الموقف الأمريكي من هذه الأزمة المفتعلة، وعلى أن لا يتكرر هذا السلوك مع حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية  في الشرق الأوسط، ويبدو أن هذه الرسالة قد وصلت.

ونخلص بالقول إن العراق ومنذ إحكام سيطرة النفوذ الإيراني عليه، في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وحتى يومنا هذا، أضحى الحديث عن موضوع السيادة لا معنى له، إذ فقد في مرحلة ما بعد 2003م، أهميته كدولة محورية في بيئته العربية والشرق أوسطية، وأصبح بعد ذلك عبارة عن شعب بلادولة.

معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: