انين لطفل جائع جائع في ظلمة الليل الحالك في بيت في أطراف المدينة… وهناك تلمع دمعة لامرأة تبكي زوجها الذي لم يستطع الالتحاق بهم للتغطية على هروبهم…. وفي الزاوية هناك رجل كبير طاعن في السن تبان في وجهه بضوء السيجارة تجاعيد اتقنت تحديات الزمن نحتها… كل أولئك مع بضعة عشرات من الأشخاص ينتظرون احد ما يفتح عليهم الباب معلنا وصول سيارة تقلهم الى منطقة قريب للهروب من الشرقاط.
كان عدد الراغبين في الفرار بالعشرات أما الوقت المحدد للخروج فهو بعد منتصف الليل لضمان جانب سيطرات عناصر التنظيم.
فمنذ أسبوعين وحركة النزوح من قضاء الشرقاط مستمرة للهرب من مواجهة محتملة بين عناصر تنظيم داعش والقوات الحكومية التي تحاصر هذا القضاء الصغير، أما هدف النازحين فهو الوصول إلى مخيمي الحجاج في بيجي أو ديبكة قرب كركوك حيث تشرف القوات الأمنية على هذين المخيمين ومن الممكن فيما بعد أن يتم نقلهم لمدينة تكريت.
وجههم الدليل بالخروج من مكان تجمعهم، كان الناس يمسكون كل منهم بملابس الآخر لضمان عدم تكرار ضياع أحدهم وسط الطريق الوعرة كما حدث للقوافل التي سبقتهم.
وبطبيعة الحال فإن الدليل لم يكن يقوم بهذا العمل بدوافع "إنسانيةً"، بل إنه تقاضى عن كل فرد مبلغ 100$، يقول أنه يدفع جزء منها لعدد من عناصر التنظيم لضمان حمايتهم له وسكوتهم عن عملة المخالف لتوجيهات دولتهم المزعومة.
ساعات والدليل يمشي ومرافقوه من بعده يسيرون على خطواته، ووفق توجيهاته العامة: يمين.. يسار.. انخفضوا.. أسرعوا كل هذه التوجيهات لضمان عدم اصطيادهم من قبل دوريات عناصر التنظيم، بل إن القافلة كثيراً ما تتوقف خوفاً من العبوات الناسفة التي زرعها عناصر التنظيم لمنع الناس من الخروج من القضاء.
7 ساعات والرحلة مستمرة، تعب أفراد القافلة بل إن بعضهم ظل طريقه وسط الظلمة إلاّ أن الوقوف ممنوع بسبب إحتمالية العثور عليهم ومن ثم تنفيذ حكم الإعدام بهم.
عشرون كيلومتر هي المسافة المفترضة للوصول إلى النقطة الأولى التي تعد خارج سيطرة عناصر التنظيم، إلاّ أنها نقطة يشرف عليها عناصر ينتمون لإحدى الميليشيات الشيعية وهو مبعث الخوف في نفوس الفارين.
دلهم الدليل على النقطة وقفل عائداً باتجاه القضاء المحاصر، وبات على القافلة مواجهة قدرها لوحدها، بدأ عناصر الميليشيات هوايتهم بتوجيه السباب والشتائم للهاربين الذين تعاملوا معها بكل برود.
ومن هذه النقطة تبدأ عملية عزل الرجال عن النساء، إذ يفرض على الرجال أن تعرض أسمائهم على خمس جهات أمنية للتأكد عدم انتمائهم لتنظيم الدولة، وهذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً قد يصل لأكثر من 9 ساعات يقضيها الهاربون تحت أشعة الشمس اللاهبة.
هنا يبدأ أبناء الشرقاط اتصالاتهم بأقربائهم المتواجدين في تكريت ليقدموا للمخيم لكفالتهم أمام الأجهزة الأمنية، أما من ليس له أقارب فيضطر للبقاء في المخيم غير القابل للحياة بسبب عدم توفر أي إمكانات حقيقية لحياة الناس فيه.
رحلة الساعات الطويلة وبما تحمله من مصاعب ومخاطر أودت بحياة العديد من أبناء الشرقاط بسبب العبوات الناسفة التي زرعها عناصر التنظيم على طرق الخروج أو بسبب ارتفاع درجات الحرارة تشكل اليوم الأمل بالنسبة للعديد من أبناء القضاء بسبب تأخر العمليات العسكرية التي تستهدف إخراج التنظيم منه ونفاد المواد الغذائية داخله.