معركة الموصل .. والدور الاقليمي في الحسابات المحلية

احمد الساجر 3.3K مشاهدات0

الجيش الامريكي في الموصل

بعد الاحتلال الامريكي للعراق شكلت مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها مصدر قلقٍ كبيرٍ لكل الاطراف الاقليمية والدولية التي ترى في هذه البقعة من العراق، خاصرة رخوة يمكن للجميع النفوذ اليها.

مصدر القلق يأتي لاعتبارات عديدة أهمها التركيبة السكانية المعقدة لتلك المنطقة، ناهيكم عن الزعامات السياسية والواجهات الاجتماعية التي لها علاقات أو ارتباطات باكثر طرف اقليمي ودولي.

بعد سقوط الموصل ( 4-10 حزيران 2014) بيد داعش، والانهيار الكبير للمؤسسة العسكرية العراقية، سادت توقعات بان تستغل كافة تلك الاطراف الاقليمية والدولية حالة الفوضى، وذلك بالعمل على زيادة نفوذها عبر الارتباط بالاطراف المحلية الفاعلة في تلك المنطقة.

وفقاً لهذا السيناريو رأت إيران الطرف الاقليمي الاكثر فاعلية في الساحة العراقية، أن تعزيز نفوذها عبر الاطراف المحلية هناك، سيسمح لها بتوطيد علاقاتها الاستراتيجية مع الفاعلين الدوليين، وستكون بمثابة “سكين خاصرة” تفرض شروطها على اي تحالف يريد تحرير هذه المنطقة من داعش أو يسعى لاعادة تشكيل أو لتغيير منظومة الحكم فيها هذا من جهة.

ومن جهة أخرى ترى إيران في ذلك تأميناً لموقعها التفاوضي مع الدول العظمى، في ملفات داخلية وخارجية ايرانية، أهمها كان هو الملف النووي الايراني، والذي تحلم إيران بتحقيقه وإنجازه، لبناء قوة مهيمنة في عموم الإقليم، لتبسط نفوذها على المنطقة ولتملئ الفراغ الناجم عن انسحاب الأميركيين من المنطقة.

الموقف العربي الرسمي وعلى الرغم من تباين المواقف الدولية تجاه التوغل الايراني في الاراضي العراقية، الا انه كان هناك شبه إجماع عربي في عدم التورط في التدخل في الشأن العراقي من دون غطاء دولي، وهذا خطأ كلف الدولة الاقليمية عواقب كبيرة، نتحدث هنا عن تركيا والسعودية تحديداً، الدولتان الجارتان للعراق، اللتان لم تستطيعا الى الآن تدارك خطأهما الكارثي.

ربما أدركت تركيا قبل السعودية هذا الخطأ، رغم تاخرها طبعاً، فكانت الخطوة التركية صادمة بالنسبة لايران وروسيا، خطوة تركيا المتقدمة بعض الشي تجاه الموصل، تأتي لما تمثله الموصل من مكانة خاصة لدى الاتراك، فتركيا دولة اقليمية جارة وعضو في الناتو، اتخذت موقفا متقدما عندما أرسلت قوات تعمل على تدريب قوات عراقية.

الدور التركي المتقدم يأتي لاعتبارات أهمها عضويتها بحلف شمال الاطلسي، وعلاقاتها بالولايات المتحدة الامريكية، وخصوصا فيما يتعلق بالبعد الامني. فالموصل ورغم أهميتها الجيوسياسية بالنسبة لتركيا، قد تكون اليوم، وللمرة الاولى، أكثر المدن نحو “تصدير” الفوضى إليها.

الكورد وفي معركة تحرير الموصل تحديداً، ضلت البوصلة الدولية تتجه نحو رؤيتهم وشروطهم في الحرب ضد داعش، لاسباب أهمها هو أنهم الفاعل المحلي الاقوى والاكثر تنظيما مقارنة بباقي الاطراف المحلية.

ولهذا اتجهت تركيا والسعودية عبر بوابة كردستان لتفعيل علاقاتها مع باقي الاطراف المحلية العراقية، أسوة بباقي أغلب دول التحالف التي تقف في الحرب ضد داعش والتي اختارت البوابة نفسها، يظهر ذلك في الدعم الكبير الذي تقدمه تلك الدول لحكومة كردستان، اذا ما قارناه بالدعم المقدم لبقية الاطراف المحلية العراقية.

فيما بقيت روسيا وايران واذرعها بالمنطقة متمسكة بدعمها لـ PKK ليس نكاية بحكومة كردستان فحسب، بل من أجل الوقوف بالضد من التحالف الدولي الذي تقوده امريكا، والذي تمثل قوات البشمرگة الكوردية الفاعل المحلي الابرز فيه.

عودة الامريكان وعلى نحوٍ غير متوقع، خطوة صدمت كل أذرع إيران في المنطقة، الاذرع المشغولة اليوم بصراعاتها الداخلية، والتي عجزت إيران على ضبط صراعاتها، الاذرع التي كانت في الايام الاخيرة ما قبل مغادرة الامريكان للعراق اداة ضغط لخروجهم منه، عودة منحت زخما كبيراً لكل الاطراف التي تناهض المشروع الايراني في المنطقة.

أما فيما يخص توعّد مليشيا الحشد الشعبي في المشاركة في معركة تحرير الموصل، فمنذ بداية الحرب على داعش، والجميع يؤكد أن مشاركة هذه المليشيات في أي معركة هو عامل تأجيج للصراع الطائفي هذا من جهة ، وتأخير لحسم المعارك لصالح القوات الامنية والمؤسسة العسكرية، بالصورة التي يتمناها جميع العراقيين ايضاً، وهذا ما ثبت ليس للعراقيين فحسب، بل للعالم أجمع.

ولهذا ترفض غالبية الاطراف السنية القبول بتقديم أي شكل من أشكال الدعم لهذه المليشيات والمجاميع المسلحة في اي ممارسة عسكرية أو أمنية في أي معركة في المدن التي تسيطر عليها داعش، فالأعمال الانتقامية والممارسات الارهابية ومشاهد التخريب للبنى التحتية وحرق منازل المواطنين، كانت مشاهد حاضرة في كل المعارك التي شاركت فيها تلك المليشيات في مدن مثل الفلوجة وتكريت.
وحتى لو نحينا جانباً حالة الشك وعدم اليقين الواسعة فيما يتعلق بضرورة مشاركة مليشيا الحشد الشعبي في معركة كبيرة كمعركة تحرير الموصل، فلا يمكن إقصاء أو تهميش من يؤمن أن مستقبل هذه المليشيات مرهون بوجود داعش، وبما يحصلوا عليه من دعم على حساب القوات الامنية. ناهيكم عن سرقة جهود القوات الامنية نفسها، والأخطر هو تحميل المؤسسة الامنية والعسكرية الرسمية كل الانتهاكات والأعمال الارهابية التي تقوم بها هذه المليشيات.

*المقالات تعبر عن رأي كتابها

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: