نازحو الفلوجة: أزمة إنسانية وسط ظروف قاسية

هيئة التحرير 1.7K مشاهدات0

مضت عملية الفلوجة بعد انطلاقها في 23 من مايو /آيار بوتيرة متسارعة، حتى أن الخبراء العسكريين لم يتوقعوا قبل انطلاقها أن تحرز القوات الحكومية بدعم من طيران التحالف الدولي وفصائل في الحشد الشعبي هذا التقدم الملموس في غضون أسابيع قليلة. وقد سيطرت القوات الحكومية على الأحياء الجنوبية ومركز المدينة بعد ثلاثة أسابيع فقط من بدء العملية.

ولتوضيح عنصر المفاجأة بالنسبة لمنظمات الإغاثة الدولية والمحلية، كانت مفوضية الأمم المتحدة، على سبيل المثال، تستعد مع بداية المعركة لاستقبال النازحين بتوفير أعداد من الخيم ومساعدات غذائية وطبية لمواجهة موجة النزوح. لكن عدد النازحين وصل إلى أكثر من 80 ألف شخص مع دخول المعركة اسبوعها الرابع، واضطرت أغلب العائلات إلى الاشتراك بنفس الخيمة، وهو ما شاهدناه بالفعل في المخيم الذي زرناه في عامرية الفلوجة، فمتوسط عدد الأفراد في الخيمة الواحدة كان يترواح بين 12 إلى 18 شخصا.

تقر الأمم المتحدة بصعوبة التعامل مع الأعداد الغفيرة من نازحي الفلوجة. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وضعت بالفعل خطط طوارئ لمواجهة أزمة نزوح جديدة بعد بدء المعارك، لكنها لم تتصور إنه خلال ثلاثة أيام فقط تحديدا من 16 إلى 18 من يونيو/ حزيران سيفر نحو 60 ألف شخص من المدينة.

يقول برونو جدو، ممثل المفوضية العليا في العراق، في تصريحات خاصة لبي بي سي إن أزمة النزوح الراهنة هائلة لدرجة أنها "تفوق كل الامكانيات مهما كانت درجة الاستعداد. الأثر الإنساني الذي أحدثته أزمة الفلوجة يعد بمثابة درس لنا جميعا، سيساعدنا على التخطيط جيدا لمواجهة التداعيات الإنسانية في حال شن عملية عسكرية بقيادة عراقية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل، والتي ستكون أهم المعارك خصوصا أنها ستجري في مدينة مأهولة بأكثر من مليون شخص".

وهناك أكثر من منظمة محلية غير حكومية تتعاون مع الأمم المتحدة في إغاثة النازحين. وقد شرعت المفوضية في بناء 13 مخيما جديدا، وانتهت بالفعل من تحضير بعض المخيمات لاستيعاب المزيد من النازحين في ثلاثة مناطق على أطراف الفلوجة: عامرية الفلوجة، والخالدية، والحبانية. كما قامت بتوزيع أكثر من 8 آلاف صندوق إغاثة واستفاد من تلك المساعدات أكثر من 50 الف شخص، وتحتاج المفوضية نحو 584 مليون دولار أمريكي للوفاء باحتياجات النازحين، إلا أنها لم تتلقى سوى 127 مليون دولار حتى الآن.

في المخيم الذي زرناه في منطقة عامرية الفلوجة، جنوب المدينة، يعاني النازحون من ظروف إنسانية صعبة للغاية بعد رحلة النزوح التي رافقتها مشاهد من الخوف والموت.

وهذا المخيم هو واحد من عشرة مخيمات تؤوي أكثر من ثمانين ألف من نازحي الفلوجة وأقيمت على أطراف المدينة تحت إدارة الحكومة العراقية.وهنا يعيش أكثر الناس على التبرعات والإعانات. 

لا نملك شيئا

التقينا شيماء، 32 عاما، في إحدى الخيمات. ولشيماء قصة مؤلمة كأغلب النازحين.

تقول إن الخوف من القتل على يد داعش أو خلال العمليات العسكرية لم يعد مصدر قلقها، بل حياتها المستقبلية مع أطفالها الأربعة كنازحة ومن دون زوجها، الذي احتجزته القوات الحكومية بعد وصولهم لأحد حواجز التفتيش. وتخشى القوات الحكومية تسلل مواطنين قاتلوا أو ينتمون فكريا إلى التنظيم المتشدد وسط النازحين، فتحتجز الرجال ومن هم في سن الخدمة العسكرية من الذكور للاستجواب. وبالفعل أفرجت القوات الحكومية عن العديد من المعتقلين. لكن زوج شيماء لم يكن واحدا منهم.

Image captionلا تسمح السلطات لأغلب النازحين بدخول العاصمة بغداد لاعتبارات أمنية

وبالنسبة لأم أكرم كان الرحيل من الفلوجة قرارا للهرب من نيران المعارك المستعرة وجحيم الحياة في كنف التنظيم المتشدد. لكن معاناتها لم تنته برحيلها عن الفلوجة بل تفاقمت في ظروف النزوح البائسة. فهي ساخطة على هذه الحياة الصعبة وتشعر بظلم شديد.

تقول إنها غريبة في وطنها، وتستدعي مشهد اللاجئين الذي هجروا بلادهم إلى أوروبا في قوارب مطاطية مكتظة. "أصبحنا لاجئين في بلادنا. أخذنا قاربا لعبور نهرا الفرات إلى عامرية الفلوجة. شاهدنا الموت بأعيننا. غرق أمامي بعض النازحين مع أطفالهم".

لا تسمح السلطات لأغلب النازحين بدخول العاصمة بغداد لاعتبارات أمنية. وتضاربت الأنباء عن إلغاء نظام الكفيل الذي كان متبعا لبعض الوقت في بداية أزمة النزوح عن مدينة الرمادي في صيف العام الماضي.

أثناء مغادرتنا المخيم، توقفنا عند مشهد أطفال يلعبون في حفرة مليئة بمياه غير صالحة للشرب بقناني مياه فارغة دون أن يدركوا الكثير مما يدور حولهم من معارك سياسية وميدانية.

صنداي تلغراف : لاجئو الفلوجة عالقون في مخيمات وسط الصحراء

ونشرت صحيفة الصنداي تلغراف تقريراً لفلورين نوهوف بعنوان " لاجئو الفلوجة محاصرين في المخيمات وسط الصحراء".

وقال كاتب المقال إن " عشرات آلالاف يعانون من انعدام الطعام والماءأو الرعاية الطبية كما أنهم يعانون من أوضاع سيئة وسط العواصف الرملية".

وأضاف أن" هذه العائلات تحتمي من أشعة الشمس الحارقة تحت الواح الصفيح التي توفر حماية بسيطة من أشعة الشمس الحارقة والرياح العاتية المحملة بالرمال".

وأردف كاتب المقال أن "العديد من اللاجئين العراقيين يحتمون تحت صفائح معدنية بالقرب من جسر بيزبيز الذي يربط الأنبار بالفلوجة".

وأشار إلى أنهم "بعدما هربوا من الجوع والعنف من قبل داعش، فهم يهربون مجدداً لأنهم يعانون من أزمة إنسانية متفاقمة في مخيمات النازحين".

وتبعاً لكاتب المقال ، فإن 30 ألف شخص قاموا بهذه الرحلة الخطيرة الأسبوع الماضي، لينضموا إلى مئات آلالاف من النازحين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة في الصحراء.

وقال أحد العاملين لدى الأمم المتحدة إن " عدد النازحين من الفلوجة يقدر بـ 83 الف شخص"، مضيفاً أن "الوضع في المخيم مزر للغاية، إذ هناك نقص حاد في الطعام والماء والحمامات والأدوية والخيام".

وفي مقابلة مع إحدى النازحات من الفلوجة، قالت إنه "ليس هناك ماء هنا ولم نستحم منذ وصولنا إلى هنا، أي منذ 5 أيام"، مشيرة إلى أنها لم تحصل على أي طعام أيضا.

ورفضت هذه السيدة إعطاء إسمها كمعظم النازحات من الفلوجة، قالت إن " عائلتها أجبرت على أكل البطيخ للبقاء على قيد الحياة، لأنه الطعام الوحيد الذي بمقدورنا شراؤه".

ويعيش بالقرب من هذه السيدة عائلات أخرى، في مخيمات غير مؤهلة، إذ لديها سقف وأرضية ، إنما من دون جدران تحميهم من الرياح الرملية العاتية.

وقالت إنهم " يوعدونا كل يوم، بأنهم سيعطوننا كارفان للسكن فيه، إلا أنه وعد لم يتحقق بعد".

وأشار كاتب المقال إلى أن درجة الحرارة تتعدى أحياناً الأربعين درجة مئوية في يونيو/حزيران، كما أن الحرارة في ازدياد خلال فصل الصيف.

ونقلاً عن نازحة عراقية من الفلوجة، تقول إن " العيش تحت سيطرة داعش كان مأساة والعيش هنا مأساة أيضاً"، مشيرة إلى أنها لا تستطع العودة إلى الفلوجة لأن الجيش العراقي دمر المدينة التي تعد إحدى معاقل التنظيم.

وختم كاتب المقال بالقول إن " المخيم يعتبر شبه خال من الرجال ، إذ أنهم يعتبرون في عداد المفقودين"، مضيفاً أن بعض منظمات حقوق الإنسان يقولون أن الجيش يحتجزهم، كما أن هناك أدلة على أن قام بتصفية العديد منهم.

 

المصدر :BBC عربي 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: