إلى أين يسير العراق؟ صفقات سياسية أم حقبة تاريخية طويلة الأمد؟

المحرر 2.3K مشاهدات0

 

ينظر الكثير من المراقبين إلى احتمالات التغيير في العراق، وانقلابات المشهد السياسي، على أنها صفقات سريعة مؤجلة من الممكن أن تجري في الغرف المظلمة في أي لحظة، تحقق مصالح خفية وتوّقع بنودها تحت طاولات معدّة جيدًا من قوى محلية وإقليمية ودولية.

بالرغم من التفاؤل المفرط في هذه النظرة التحليلية السطحية لمتداخلات المشهد السياسي في العراق، إلا أنها تعتمد على أرضية أن حل الأزمة العراقية، تقوم على تأمين مصالح إقليمية ودولية فاعلة حول مستقبل العراق واتجاهاته وتحالفاته المقبلة!

لكن نظرة سريعة إلى التأريخ السياسي الحديث للعراق، لا تذهب مع هذه الرؤية التفاؤلية المفرطة، فحركة التغيير في العراق لم تكن يومًا ما محطة استراحة لأحد على الاطلاق، بما فيها الانقلابات البيضاء، وكانت على الدوام تخرج من دوامة صراعات عسكرية وعنفية شديدة ومأساوية، خرجت في الغالب الأعم حتى من سياقات التوقعات والتحليلات السياسية الأكثر رصانة واعتمادًا على الوقائع والمعطيات.

العراق كان دائمًا بلد الحقب السياسية، الممتدة في الزمن، حتى تستهلك كل مبررات وجودها، فيكون الحاضر غير قادر على البقاء بنفس الطريقة السابقة، فيما أدوات التغيير استنفدت هي الأخرى كل إمكانات بقائها تحت الأرض، فتنفلق على شكل حرب أو ثورة أو انقلاب «الإخوة!».

انتهت الحقبة العباسية (425 عامًا) على أيدي المغول بغزو عسكري اقتلع بغداد من كل ما هو حضاري فيها، حتى قيل إن ماء دجلة تحول لونه إلى الأحمر، ثم أسقط الجلائريون الحقبة العباسية بغزو عسكري، ودامت هذه الحقبة نحو 150 عامًا، وتلتها الحقبة العثمانية.

العراق خرج من رحم الدولة العثمانية، (386 عامًا) للفترة (1532- 1918)، على إيقاعات مدافع الحرب العالمية الأولى 1914- 1918، لتنبثق عن الحرب دولة العراق «المستقلة» تحت الوصاية البريطانية، الدولة التي تشكلت عام 1921 وقبلت عضوًا في الأمم المتحدة عام 1932 كدولة مستقلة من باب الوجاهة الشكلية.

وحتى عام 1958، شهدت الدولة العراقية عشرات الحكومات التي كانت تتساقط هي الأخرى على إيقاعات الانتفاضات والوثبات الجماهيرية، بل وتأثرت بصراع الحرب العالمية الثانية بين المحور بقيادة ألمانيا، والحلفاء بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، فنتج على أرض العراق صراع عسكري تمثل بما سمي انقلاب فاشل للجنرال رشيد عالي الكيلاني عام 1941، وما رافق سقوطه الدرامي من إعدامات للضباط في الجيش العراقي.

استمرت هذه الحقبة من عام 1918، وهو عام هزيمة العثمانيين، إلى عام 1958 وهو عام سقوط الحقبة الملكية، أي 40 عامًا بالتمام والكمال، لتنتهي بانقلاب أو ثورة 14 يوليو (تموز) 1958، باختلاف التقييمات، وولادة الجمهورية الأولى التي تزعمها الجنرال عبد الكريم قاسم.

هذه الحقبة تمتعت بشهر عسل واحد، لتدخل دوامة الصراعات السياسية والعسكرية: «محاولة انقلاب عبد الوهاب الشواف 1959، محاولة اغتيال الزعيم قاسم 1961، الصراعات الدموية في كركوك والموصل بين القوميين بقيادة البعثيين، واليساريين بقيادة الشيوعيين، وانتهت دراماتيكيًّا على يد انقلاب بعثي في الثامن من فبراير (شباط) عام 1963، حيث أعدم الانقلابيون الزعيم قاسم ومجموعة من الضباط الموالين له، بينهم رئيس محكمة الشعب عباس المهداوي، لتبدأ حقبة الجمهورية العراقية الثانية.

الجمهورية الثانية هي الحقبة الجديدة بقيادة حزب البعث تم إطاحتها في 18 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1964، من قبل الإخوة الأعداء، عبد السلام عارف، الذي انقلب على قاسم وكان رفيق دربه، فانقلب ثانية على البعثيين، ربما بسبب مجازر الحرس القومي «قتل وإعدام خمسة آلاف شيوعي». وأصبح عبد السلام رئيسًا للجمهورية العراقية الثالثة، لكنه سرعان ما لقي مصرعه بحادثة طائرة كان عائدًا فيها من البصرة إلى بغداد عام 1965، ووصف العراقيون الحالة بـ «صعد لحم ونزل فحم» ليتسلم شقيقه عبد الرحمن عارف رئاسة البلاد، والتي انتهت حقبته بانقلاب عسكري بقيادة الجنرال أحمد حسن البكر في السابع عشر من يوليو (تموز) عام 1968 لتبدأ حقبة الجمهورية الرابعة، التي دامت خمسة وثلاثين عامًا (1968- 2003)، وقال قادة الانقلاب بعد انشقاقات فيما بينهم، إنهم جاؤوا بقطار أمريكي– بريطاني.

وكانت نهاية هذه الحقبة على يد الغزو الأمريكي للعراق في التاسع من أبريل (نيسان) 2003 الغزو الذي أنهى هذه الحقبة التي توّجت بإعدام الرئيس الأسبق للعراق صدام حسين، بعد محاكمة علنية شابها الكثير من الغموض والانتقادات».

هل هذه الحقبة هي الجمهورية الخامسة أم حقبة احتلال العراق؟ يختلف الكثير على الإجابة، إلا أن الحقيقة هي أنها حقبة حكم الإسلام السياسي للبلاد بصورة واضحة وجلية، بكل تنوعاته السنية والشيعية، وتحظى الأحزاب الإسلامية الشيعية بالقِدح المُعلّى في قيادة البلاد وتوجهاتها الداخلية والإقليمية والدولية، لكنها حقبة قادت البلاد إلى الخراب والحروب الأهلية الصغيرة، واشتعال السياسات الطائفية، وإفلاس البلاد، كعناوين رئيسية لهذه الحقبة!

الأسئلة التي تبحث عن جواب: إلى أين يسير العراق؟ وهل هو مرشح لانتهاء هذه الحقبة قريبًا أم أنها ستأخذ مداها الزمني كأيدولوجية إسلامية على النمطين العباسي والأموي؟

هل الحراك الجماهيري سيقود إلى تغييرات بنيوية في سلطة الإسلام السياسي تحت شعار المتظاهرين «دولة مدنية»؟ هل يسير العراق إلى ما روج له الأمريكان، أن لا دولة في العراق مستقبلًا كما كانت في الماضي؟ هل سترسم حدودًا جديدة للبلاد بالدم؟ هل الطريق إلى حرب أهلية واسعة النطاق، تحت الرماد، تقود البلاد إلى التقسيم نحن في الطريق إليه؟ هل سيعمد الأمريكان إلى عملية جديدة تعتمد العسكر أساسًا لها، وإنهاء حقبة حكم الأحزاب الإسلامية السياسية؟

وربما هناك الكثير من الأسئلة عن مستقبل العراق، لكن الأكيد، هو أن العراق يحتاج إلى تغيير، لأن الاستمرار في الحكم على هذه الطريقة مستحيلًا حتى في المدى المنظور،

فمتى وكيف ستسقط هذه الحقبة وتصبح جزءًا من التاريخ العراقي الحافل بالتغييرات الدراماتيكية؟

من الصعوبة التنبؤ بشكل المشهد السياسي القادم، لكن الأكيد أنه مشهد سينبثق من رحمه الكثير من المفاجآت، أو مفاجأة من العيار الثقيل !

عامر القيسي – ساسة بوست

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: