الأنبار..أولى أقاليم الشرق الأوسط الجديد

هيئة التحرير 2.4K مشاهدات0

تقع محافظة الأنبار غربي العراق وتعد أكبر محافظاته مساحة، إذ تبلغ مساحتها ثلث مساحة العراق، وهي المحافظة الوحيدة التي لها حدود مع ثلاث دول عربية تجاور العراق وهي السعودية والأردن وسوريا.

وأول من أطلق عليها هذا الاسم هم المناذرة، حيث اتخذوها مخزناً للعدد الحربية، إضافة إلى تخزين الحبوب كالحنطة والشعير وغيرها، كما تعد من أهم المدن أيام الاحتلال الساساني للعراق، إذ كانت مركزاً حربيًّا مهمًّا لحماية المدائن من هجمات الروم.

وفي بداية العصر العباسي اتخذها الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح عاصمة للخلافة عام 134هـ، وأقام فيها أبو جعفر المنصور فترة من الزمن قبل أن ينتقل إلى بغداد عام 145هـ.

وبسبب قربها من الجزيرة العربية، فقد تعرضت الأنبار لموجات كبيرة من هجرة القبائل العربية التي تسكن صحراء الجزيرة، حيث تعمد تلك القبائل إلى ترك مناطقها في وقت جدب الأمطار والسكن في مناطق أخرى قريبة من النهر لتوفر المياه، ثم بمرور الزمن فضلت تلك القبائل ترك حياة البدو واستوطنت على ضفاف الفرات، وأخذت تعمل في الزراعة بدلاً من الرعي، وأصبحت الأنبار مستقرًّا لكثير من العشائر العربية، حتى أن مركزها (وهي مدينة الرمادي) كان يطلق عليه سابقاً (لواء الدليم) بسبب أن أغلب العشائر التي كانت تسكنها هي من عشائر الدليم..

ولطيبة أهلها وتمسكهم بالقيم العربية الأصيلة من الكرم والخوة وحسن الضيافة وتميزها بمناطق زراعية شاسعة وسعة بيوتها، وبُعدها من مراكز الاضطراب التي حلت بالعراق، هاجرت إليها كثير من العوائل العراقية التي تعرضت مناطقها للقصف والدمار، ففي السبعينيات نزح إليها الأكراد وظلوا فيها معززين مكرمين لم يمسهم أحد بسوء ولم (يُطلب منهم تصريح بالإقامة).

وأثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 نزح إليها كثير من العوائل من محافظات شرق وجنوب العراق المتاخمة للحدود مع إيران بسبب المعارك والقصف المستمر.

وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كان للأنبار ومدنها دور بارز في مقامة الاحتلال وتسطير أروع صور البطولة، واشتهرت منها بالأخص مدينة الفلوجة التي تعرف بكونها أم المساجد لكثر مساجدها وتديّن أهلها.

وفي أواخر عام 2012 بدأت الأنبار باعتصام سلمي، سرعان ما انضمت إليها خمس محافظات أخرى احتجاجاً على سياسات الحكومة العراقية التي كان يرأسها نوري المالكي المتهم بارتكاب جرائم حرب، وكانت مطالب المعتصمين تتلخص بإطلاق سراح المعتقلين، خاصة النساء منهم، وإيقاف حملة الانتهاكات بحقهم، وإيقاف النهج الطائفي الذي تمارسه الحكومة بحق المكون السني، إضافة إلى إلغاء المادة 4 إرهاب.

لكن رئيس الحكومة نوري المالكي، رد على تلك المطالب بإعطاء الأوامر لقواته باقتحام ساحة الاعتصام بقوة السلاح، ما أدى إلى مقتل عدد من المعتصمين وإصابة آخرين، إضافة إلى اعتقال النائب أحمد العلواني، الذي كان من أبرز المناصرين للمعتصمين.

في الوقت ذاته سمحت القوات الحكومية لداعش بدخول مدينة الرمادي التي كانت محاصرة بالكامل، أعقبها إصدار الحكومة أوامرها بإطلاق سراح 500 عنصر من المنتمين لداعش من سجن أبو غريب (وكان هذا باعتراف وزير العدل وقتها حسن الشمري) الذي اتهم جهات عليا في الحكومة لكنه لم يسمهم.

ثم بدأت العمليات العسكرية بين القوات الحكومية وداعش الذي أخذ ينتشر في مدن المحافظة الواحدة تلو الأخرى، ما أدى الى دمار شبه كامل في أكثر مدن المحافظة، ما اضطر أهلها إلى تركها والنزوح إلى العاصمة بغداد التي رفضت أن تستقبلهم إلا بوجود كفيل يضمن كل شخص فيهم، وهي سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في تاريخ الشعب العراقي، فاضطر الأهالي للذهاب إلى كردستان.

والآن بعد إعلان الحكومة عن تحرير مدينة الرمادي من أيدي داعش، وإعادة تأهيله حسب ما يتم تداوله من تصريحات للمسؤولين، وقد تم تحديد تاريخ 10/4/2016 موعداً لعودة العوائل النازحة إلى ديارهم.

والسؤال هنا هل سيعود أهالي الرمادي إلى مدينتهم كمدينة عراقية كما كانت؟ أم أنهم سيعودون إلى مدينة جديدة تكون عاصمة لأول إقليم في العراق، وربما في الشرق الأوسط الجديد وهو إقليم الأنبار؟

كل الدلائل تشير إلى أن قرار إقامة إقليم الأنبار قد اتَّخذ في غرف صنع القرار الأميركية، وقد أبلغت الحكومة الأميركية رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي بالأمر، وطالبته أن يتعامل مع هذا القرار على أنه أمر واقع، في الوقت نفسه سمحت الحكومة الأميركية بفتح ممثلية للإقليم في واشنطن لمتابعة المشاورات بشأن إقامة الإقليم.

ومن تلك الدلائل أيضاً أن القوات الأميركية ساهمت بشكل كبير في عمليات تحرير الرمادين وطرد داعش منها عن طريق تكثيف غاراتها التي كان لها أثر كبير في تحقيق انتصارات على الأرض، والأمر المهم في ذلك أن الحكومة الأميركية اشترطت على الحكومة العراقية عدم مشاركة الحشد الشعبي (الشيعي) في عمليات تحرير الرمادي، حتى أن المعلومات المؤكدة الواردة من هناك تقول إنه حين علمت القوات الأميركية بتسلل مجاميع من الحشد الشعبي إلى مدينة الرمادي بزي الشرطة الاتحادية، عمدت القوات الأميركية إلى فتح ثغرة استطاع داعش من خلالها الدخول إلى مدينة الرمادي مرة ثانية ووجه ضرباته إلى القوات الحكومية، ما أدى بالحشد إلى التراجع والالتزام بتلك الأوامر.

لم تنتهِ الأسئلة بشأن الإقليم بعد، فهل سيكون هذا الإقليم هو بادرة لخلاص أهل الأنبار من ضيم ما لاقوه من ممارسات طائفية من قبل الحكومة الشيعية؟ وهل سيكون على مستوى الطموحات من أمن وازدهار، وعلى أي طراز سيكون؟ هل هو شبيه بإقليم كردستان مثلاً؟ ما هي موارد الإقليم وكيف ستوزع؟ بل في نظري إن المعضلة الأكبر هي: من سيتولى رئاسة الإقليم؟ هل ستكون لإحدى العشائر البارزة؟ أم لهم بالمشاركة؟ أم بالتناوب؟ أم ستكون من حصة الأحزاب الموجودة اليوم في مجلس المحافظة؟ خاصة ونحن نرى بوادر من ذلك بين رئيس ديوان الوقف السني “عبد اللطيف هميم”، ومحافظ الأنبار “صهيب الراوي”؟ علماً أن الرجلين من أبناء المحافظة.

المصدر : هافنغتون بوست / عمر راغب زيدان

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: