هل ينجح داعش في استمالة العشائر؟
01/06/2016 4:32 م 2K مشاهدات0

شكلت العشائر القبلية في العراق عاملًا حاسمًا في إدارة البلاد خلال السنوات الأخيرة، وهي المسألة التي جعلت دوائر السلطة المتتابعة على العراق، باختلاف سياقات صعودها للسلطة، تستعين بقيادات هذه القبائل لمنحهم حق السيطرة وتعظيم نفوذهم، ابتداءً من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وانتهاءً بداعش.
سعى داعش مؤخرًا إلى استثمار النفوذ المتعاظم لشيوخ هذه العشائر، بغية السيطرة على المدن الكُبرى في العراق، عبر أساليب عديدة، بعضها نجحت في اجتذاب عناصر من هذه القبائل، بينما يبدو قبول شيوخ هذه القبائل بالاندراج تحت سيطرة داعش أمرًا مُحالًا.
سطوة النفوذ التي لمعت في عهد صدام
في عهد صدام، تعاظم دور العشائر القبلية، وتعاظم نفوذهم، حيث كان لصدام حسين دورٌ كبيرٌ في ذلك، بتقريبهم منه، ومن دوائر السلطة، وذلك لضمان ولائهم في أوقات الانقسامات الداخلية، وأيضًا حين تأكد له، عزم الولايات المتحدة غزو العراق.
شكّل تعاظم سلطة شيوخ العشائر القبلية، بالتزامن مع انهيار مؤسسات الدولة بعد 2003، دافعًا لأهالي المدن العراقية إلى البحث عن أصول أنسابهم، كي يكون اسم العشيرة التي ينتمون لها، هو الحامي لوجودهم، إلى جانب ضلوع شيوخ العشائر في فض المنازعات، بطريقة اعتبرها البعض إحلالًا لمؤسسات الدولة المُنهارة منذ الغزو الأمريكي البريطاني في 2003.
من بين مظاهر نفوذ العشائر أيضًا، القانون المُتعارف عليه باسم «القانون العشائري»، إذ صار الاحتكام له أمرًا بديهيًّا بعد عام 2003، لما يُمثله تطبيقه من ضمان أكثر حتى من قانون الدولة. وعلى كلٍّ فإنّ أهمية دور العشيرة كفاعل في السلطة المحلية والأجهزة الأمنية، جاء كبديل للسلطة الفعلية، بعد انهيار مؤسسات الدولة، بعد أبريل (نيسان) 2003، والذي تعاظم بعد إكسابها شرعية من جانب السلطة الحاكمة آنذاك، من خلال توثيق عقود رسمية مع شيوخ ووجهاء، ومسؤولين شرعيين، لحماية مؤسسات الدولة الحيوية، بخاصة محطات توليد الكهرباء، وأنابيب النفط، وسكك القطارات، وغيرها.

امتداد سيطرة العشائر القبلية من مناطق تمركزهم داخل مناطق الأرياف العراقية، حيث يتواجدون، إلى المدن العراقية الكبرى مرتبط بشكل رئيسي بموجات الهجرة المستمرة من الريف إلى المدينة، والتي تعود أسبابها إلى الجفاف، وتردي الإنتاج الزراعي، وقلة دعم الدولة للفلاح، مقابل أن المدينة تبقى جاذبةً، لتوفر الخدمات الحياتية.
هذه العوامل المتنوعة دفعت بأعداد كبيرة من أهالي العشائر القبلية للانتقال إلى المدن العراقية الكبرى، وفرض قيمهم، ومنهج السيطرة على هذه المدن، بالتنسيق مع السلطات العراقية التي استعانت بهم كثيرًا.
ظهر هذا التوسع في السيطرة للعشائر الكبرى في المدن العراقية، كمدينة نينوى، حيث السيطرة شبه التامة لأبناء العشائر على قوات الشرطة والجيش المنتشرة في المدينة، وكذا مدينة الموصل، وذلك لعزوف أهل المدينة عن الانخراط في صفوف الأجهزة الأمنية.
يُظهر هذه الغلبة لأبناء العشائر القبلية، في تسجيل بعض الشباب بمدينة نينوى العراقية، في صفحة محافظ المدينة أثيل النجيفي، على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، إذ تضمنت الشكوى استياء سكان المدينة، من سوء معاملة الجيش والشرطة للمدنيين، واستحداث بعض العقوبات غير الموجود في القانون العراقي، بينما حملت إجابته: «العلة في ذلك أن نسبة تمثيل أبناء الموصل في الأجهزة الأمنية، لا تذكر».
يدعم هذه الأمر، التصريحات الصادرة من الأجهزة الأمنية العراقية، التي تقول إن أفراد قبيلة الجبور، الأكبر في العراق، يشكلون وحدهم ما يزيد على 70% من عناصر الشرطة المحلية في نينوى، وما تبقى يتوزع على عشائر أخرى.
مؤخرًا، برزت أسماء ألقاب عشائر قبلية بالعراق، كي تُلحق باسم المواطن العراقي كتعبير عن حالة التفاخر باسم القبيلة، واستخدامها كحماية معنوية ومادية من تعرض الأفراد لعقوبات من جانب حُكام المدينة المنتمين لهذه القبائل.
ومن أبرز ألقاب العشائر القبلية بالعراق، التي تكتسب زخمًا وتأثيرًا بكافة أنحاء العراق، هي ألقاب قبائل: الجبوري والطائي والشمّري إلى جوار ربطات العنق، حيث يعتبر منتسبو هذه القبائل في أرقى المكانات الاجتماعية داخل العراق.
هل ينجح داعش في استمالة العشائر؟
سعى «داعش» إلى استخدام نفس أساليب صدام حسين، في استثمار نفوذ العشائر القبلية، كداعم لداعش في إحكام سيطرته على المدن العراقية الهامة، وهو الأمر الذي أظهره أكثر من مقطع فيديو، أذاعه داعش عبر قناته الإعلامية على يوتيوب.
تحت عنوان «عشائر نينوى تجدد البيعة وتستعد للمواجهة»، نشر
حساب منسوب لـداعش، على موقع التدوينات القصيرة تويتر، فيلمًا دعائيًّا قصيرًا، عن لقاء مع شيوخ العشائر القبلية في الموصل، والذي أظهر اجتماعًا بين مجموعة أشخاص يرتدون زيًّا عربيًّا، في قاعة نقابة المهندسين، بمنطقة الفيصلية، في وسط المدينة مع ستة من زعماء داعش.
وانتهى الفيلم الذي ضم قيادات محلية لداعش، بالإضافة إلى الأردني عمر مهدي زيدان، أشهر منظري داعش في بلاده، وكان هذا الظهور الأوّل له منذ مغادرته الأردن، وانضمامه إلى داعش في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإعلان الحاضرين الذين يرتدون زيًّا عربيًّا، وقد بدا أنهم ينتمون للعشائر القبلية؛ البيعة لزعيم داعش، أبي بكر البغدادي.
وزعمت داعش في هذا المقطع التسجيلي، وجود 30 عشيرة من مدينة نينوى، أعلنت مبايعتها للبغدادي، بينما واجهت مشايخ من هذه القبائل المذكورة أسماؤها، هذا الأمر باستهجان شديد، مُؤكدة أن الأمر «محض كذب وافتراء»، مُتبرئةً ممن انتسب إليها، من الحضور، كما أعلنت أن من حضروا ليسوا شيوخ قبائل، وإنما رؤساء أفخاذ (فروع صغيرة من العشائر).

يقابل هذه الصورة الكاشفة لدعم أفراد من عشائر قبلية لـداعش، مواجهات عشائرية يتزعمها شباب من قبائل عشائرية ضد داعش، في أكثر من مدينة، أبرزها الفلوجة، والتي تطورت إلى عمليات منظمة ضد داعش، وهي الواقعة التي أكدها بيان لوزارة الداخلية، عن وقوع «مواجهات بين عدد من أفراد عشيرة الجريصات، وعناصر الحسبة التابعين لعناصر داعش في سوق النزيزة»، وسط المدينة التي تبعد 60 كيلومترًا عن بغداد.
سعى دعش إلى جذب العشائر وأبنائها، عبر أساليب متنوعة، منها إرسال وفودٍ شرعية، تلتقي بالعشائر لحضّهم على القتال معه، وتحفيزهم على هذا الأمر، كواجب ديني لنصرة الإسلام، وتأسيس مكتب «العلاقات العامة»، المختص بالتواصل مع العشائر، وتعيين ممثلين عن كل عشيرة ليعود داعش إليهم في المسائل العالقة بينه وبين والعشائر. ومع هذا لم تُحسم المسألة لهم، بخاصة في ظل اتباعه سياسة موازية، مع شيوخ العشائر التي رفضت الانخراط معه، تقوم على الترهيب، والاعتداء.
المصدر : ساسة بوست