ماعلاقة سايكس-بيكو باعادة ترسيم الاقاليم في العراق ؟
24/05/2016 10:08 ص 2.7K مشاهدات0

خاص || الخلاصة
يتذاكر العراقيون والعرب عموماً من الوطن العربي داخله وخارجه؛ الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو .. وقد توجه الجميع الى عاصفة من الغضب والانتقادات حول التقسيم الذي آلت اليه جميع أنحاء المنطقة،

وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاقية، فقد أصبح العراق منذ ذلك الوقت تحت الانتداب البريطاني حتى انقلاب عام 1958. وقد زرعت بريطانيا في العراق بذور نموذج “عراق-2003” بعد اتفاق لوزان مع تركيا في عام 1923. إذ وضعت قانون المواطنة العراقية-الجنسية- بديلا عن المواطنة الإيرانية أو العثمانية، التي كان يتمتع بهما المواطن العراقي قبل ذلك.
فمن الملاحظ ان ظاهرة التقسيم وسياسات وحلول الكونفدرالية او الحكم الذاتي الذي يرجع الى حكومة امة، كتجارب حية موجودة وحلول مثلى للتعايش في داخل الوطن الواحد، فقد اصبحت سايكس بيكو بشكل او باخر حلول واقعية نحو اقلمة العراق الى سني وشيعي وكوردي متواجد اصلا بحكم ذاتي متمثل بكردستان.
وأصبح المواطن، الذي كان يتمتع سابقا بالمواطنة العثمانية، بموجب قانون الجنسية الجديد، مواطنا عراقيا بشكل تلقائي؛ خلافا للمواطن الذي كان يتمتع بالمواطنة الإيرانية، إذ كان عليه أن يمر بسلسلة خطوات قبل أن يحصل على المواطنة العراقية.
وبينما يتجه العراق إلى مرحلة أعمق من الاضطرابات والتفكك، يواصل زعماء الكورد في كوردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي فعلي تهديدهم بالانفصال وإعلان الاستقلال الكامل، فعلى غرار قطع الرواتب المتواصل من قبل حكومة بغداد والذرائع التي تنتهجها في انخفاص مستوى سعر النفط، تستمر حكومة الاقليم بالضغط اكثر بالانفصال واعلانها دولة مستقلة.
من جانب اخر، مع تصاعد الازمة العراقية السورية ودخول قوات داعش، فقد أعلنوا عدة مرات ومنذ دخولهم (بلاد الشام) على حد وصفهم، بازالة الحدود بين العراق وسوريا في يونيو/ حزيران عام 2014، نيتهم محو جميع حدود المنطقة، وإلغاء سايكس-بيكو إلى الأبد.
ونظرا لأنها دشّنت تلك الفترة وجسّدت مفهوم التقسيم الاستعماري السري، باتت سايكس-بيكو شعار المرحلة بأكملها، إذ فرضت فيها القوى الخارجية إرادتها، ورسمت الحدود، ونصبت زعامات محلية موالية، ومارست سياسات فرق-تسد مع السكان الأصليين وإفقار الجيران مع الخصوم من الاستعماريين.
ورجوعا الى العراق فقد مرت البلاد خلال اقل من عشرة سنوات؛ تقلبات عدة ومتواصلة وانهيارات امنية متلاحقة ادت الى نشوء الصراع الطائفي .. وبدت حلول الاقاليم تفرض بشكل او باخر على مخلية المواطن العراقي بانها الحل الامثل لتوحيد المحافظة الواحدة فضلا عن الطائفة الواحدة للتخلص من الميلشيات وظلم الارهاب والقتل والاعتقال على الهوية.
-
ماراي الجانب السني بالاقليم ؟

مع انتهاء اخر خيمة للمتظاهرين في ساحة العزة والكرامة بمدينة الرمادي، ودخول داعش للمدينة، نزحت المئات من العوائل المدنية خوفا من القتل والقصف العشوائي الذي طال النساء والاطفال والشيوخ .. حتى اصبحت المدينة مدينة الاشباح ومشتتة ومدمرة تماماً من اي معنى حيوي بكل مفاصل الحياة، تبعتها تدريجيا الفلوجة وباقي المدن السنية في المحافظات الستة العراقية.
ادت تلك الانهيارات الامنية الى توحيد قناعة حقيقية بضرورة اقامة اقليم سني .. تبعه بعد ذلك طروحات فكرية وبحثية عن ضرورة اقامة اقليم الانبا، من جانب اخر : تصاعدت وتيرة المطالبة بالاقليم السني في اوساط الشارع العراقي والمتابعين للاحداث التي حصلت خلال السنين الماضية في المحافظات السنية، بعد الاستهداف المتكرر والصريح للمساجد والمدارس والنازحين وحصول العديد من المجازر التي اودت بحياة الالاف المواطنين.

مجتمع النزوح الذي اصبح واقعا اليوم، بعدد يقارب ال4 ملايين شخص من هؤلاء السنة، وفي ظل ما واجهوه مع انعدام الكرامة وانحسار مستوى المعيشة المتردي والمستوى الامني الذي اعتاد عليه المواطنون، اعتقد وامن الكثير من المواطنين بضرورة الاقليم لما فيه من حلول جذرية لاعادتهم الى مناطقهم سالمين فضلا عن حماية منازلهم بانفسهم بعيدا عن سطوة الميليشيات والقوات الحكومية وداعش.
ولاشك ان الاوساط السنية تتفق في شرعية اقامة الاقاليم .. وحث عليها قادة الحراك الشعبي في وقت سابق، جاء ذلك في المؤتمر العلمي الاول تحت رعاية المجمع الفقهي، الذي عقد تحت شعار (نظام الاقاليم في العراق المشروعية والتطبيق)، وحضره اكثر من 160 شخصية علمية مختصة بالعلوم الاسلامية والقانون والاقتصاد والسياسة، كما حضره فئات كثيرة من اهل السنة في العراق بين فصائل المقاومة وممثليها وبين حزب البعث والعلمانيين والشيوعيين والسلفيين والاخوان المسلمين والصوفية وغيرهم، والذي انعقد في اربيل بين الفترة 28-30 / 6 / 2013 في حزيران الماضي، اتفقوا فيه معظمهم على ان الاقليم “يحفظ للسنة عقيدتهم ودمائهم وأعراضهم”.
-
مؤشرات سياسية عراقية وامريكية حول الاقاليم
ابدت مؤشرات اعلامية وحكومية امريكية وعراقية محلية، بتاكيد قرارات قادمة من شانها تدعم نظام الفيدرالية او الاقاليم لادارة ملفات المحافظات بنظام ادراي لامركزي من شانه يحد من الانهيارات الامنية وانهاء العمليات العسكرية المتواصلة منذ اكثر من سنتين، وتدير النظام الاقتصادي الخاص بها وتطوير الخدمات الاساسية للمواطنين وحمايتهم بانشاء حرس وطني اقليمي.
وعلى صعيد متصل؛ ابدى سياسيون عراقيون من تحالف القوى العراقية السنية ومن التحالف الكردستاني ومشايخ الحراك الشعبي ان مطالب تكوين الاقليم السني مشروع خلاص حقيقي للكف عن اراقة الدم السني، ولاستحصال الكرامة والدفاع عن مناطقهم، وهو حق دستوري وقانوني وشرعي.

وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في لقاء تلفزيوني سابق مع قناة العربية، بانه لن يعارض اقامة الاقليم السني، مقابل تشكيل قوات حرس وطني جديدة داخل الانبار قدره 15 الف مقاتل، في حين دعا الى ضرورة تجديد الدعم الدولي وتفعيل الدعم العسكري والجوي للتحالف الاممي لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق.
وعلى الصعيد الامريكي : كشف مساعد وزير الخارجية الامريكية وليم بيرنز ان حكومة اوباما ترى ان :”الادارة الامريكية باتت تعي مخاطر النزاعات في العراق وتنامي مخاطر التمدد الداعشي في المدن العراقية” مبيناً ان :”الحل النهائي في العراق هو في العودة الى مشروع الفيدرالية”.
واضاف بيرنز ان وفدا دبلماسيا رفيع المستوى زار بغداد خلال الايام الماضية، فيما سيتألف فريق امريكي كبير في البيت الابيض يشرف على التفاصيل المتعلقة بترتيب هوية مشروع الاقليم السني وتوزيع العائدات لتحقيق اكبر قدر من العدالة في التصرف بعائدات النفط العراقية.
وشدد المصدر الدبلوماسي على عدم امكانية تفكك الدولة بعد اعلان الفدرالية، واكد ان الدولة بلا فدرالية مشروع هزيل سينهار بفعل عدم القدرة على حل النزاعات من موقع العدالة باجراء القوانين والاحكام الخاصة بحل النزاعات في البلد وفق نظام ورؤية دستور.
-
ماهي فرصة الكورد ؟
ونظرا لأنها دشّنت تلك الفترة وجسّدت مفهوم التقسيم الاستعماري السري، باتت سايكس-بيكو شعار المرحلة بأكملها، إذ فرضت فيها القوى الخارجية إرادتها، ورسمت الحدود، ونصبت زعامات محلية موالية، ومارست سياسات فرق-تسد مع السكان الأصليين وإفقار الجيران مع الخصوم من الاستعماريين.

ويشهد النظام الناتج عن ذلك وورثه الشرق الأوسط في الوقت الحالي تنوعا من البلدان وضعت حدودها استنادا إلى القليل من الاعتبارات العرقية والقبلية والدينية أو اللغوية.
ومع وجود مزيج من الأقليات، كانت هناك في الغالب نزعة طبيعية لمثل تلك الدول للتفكك ما لم يحكمها رجل قوي بقبضة حديدية أو حكومة مركزية قوية.
وفي البلدين، أثبت الكورد أنهم أكثر حلفاء الائتلاف الغربي فعالية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أنهما يشتركان في الإصرار على إعادة ترسيم الخريطة.
وقال رئيس إقليم كوردستان العراقي، مسعود بارزاني، الذي يتمتع بحكم ذاتي، في مقابلة مع بي بي سي: “ليس وحدي من يقول بذلك، ففي الحقيقة إن سايكس-بيكو فشلت وانتهت.”مضيفاً أن “هناك حاجة إلى تشكيل جديد للمنطقة. أنا متفائل للغاية بأنه من خلال ذلك التشكيل الجديد سيحقق الكورد مطلبهم التاريخي وحقهم (في الاستقلال)”.
وتابع “مررنا بتجربة مريرة منذ تشكيل العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى. حاولنا الحفاظ على وحدة العراق، لكننا غير مسؤولين عن تفككها – الآخرون هم الذين فككوها.”
وقال “إننا لا نريد أن نكون جزءا من الفوضى والمشاكل التي تحيط بالعراق من جميع الجهات”.
وقال بارزاني أن الخطوة الأولى تجب أن تكون “مفاوضات جادة” مع الحكومة المركزية في بغداد للتوصل إلى تفاهم وحل باتجاه ما يطلق عليه القادة الكورد “الانفصال الودي”.
وإذا لم يسفر ذلك عن نتائج، كما يقول بارزاني، يتعين على الكورج المضي قدما بصورة آحادية بإجراء استفتاء حول الاستقلال.
وأضاف “إنها خطوة ضرورية، لأن كل المحاولات والتجارب السابقة فشلت. وإذا لم تساعد الظروف الحالية في تحقيق الاستقلال، فليست هناك ظروف تمنع من طلب هذا الحق.”
وتعد المناطق الكوردية في العراق مناطق غير ساحلية، يحيط بها جيرانها من جميع الجهات – سوريا وتركيا وإيران والعراق نفسه – الذي طالما رفض التطلعات الكوردية.
ولا شك في أن الإرادة الشعبية، التي غيبت عن القرار في 15-5-1916، والتي يتحدث عنها مسعود بارزاني، قد عادت وهي واضحة اليوم في العراق من جنوبه إلى شماله، وقد فتحت هي الأخرى ساحات لصراع محلي وإقليمي ودولي. ومن شان ظهور إرادات شعبية كانت غائبة قبل 100عام، أن تكون لها كلمة في مصير العراق الذي يعتبر نموذجه القادم ربما نموذجا شرقأوسطيا جديدا.
-
وماذا عن الشيعة ؟
لقد طالبت عدة جهات حكومية شيعية ومحافظات جنوبية من العراق؛ بضرورة اقامة اقليم شيعي ممتد مع دولة ايران لدعم ولاية الفقيه وتوجيه وتمديد الرقعة الجغرافية الشيعية خصوصا بعد دخول عدة فصائل من الميليشيات الى مناطق جديدة من ديالى وصلاح الدين وبدا الحلم الشيعي بالتمدد الى اقامة دولة او اقليم يحاذي ويرسم الحدود الديمغرافية من جديد
وسواء أحقق كورد العراق او سنته أم لم يحققوا استقلالا كاملا بشكل رسمي في المستقبل القريب، فإنهم أسسوا بالفعل كيانا له حدوده وعلمه ومطاراته الدولية وبرلمانه وحكومته وقوات أمنه الخاصة – رغم تعدد المسميات بانها ميليشيات طائفية او قوات نظامية – كل شيء عدا جواز السفر والعملة.
وإلى ذلك الحد، فقد أعادوا بالفعل ترسيم الخريطة. وفي الجوار، يقوم أقرانهم من مقاتلين الحشد الشعبي وباقي الفصائل بالقتال الى جانب الحرس الثوري الايراني للدفاع عما اسموه بالمقدسات في سوريا، من خلال السيطرة وإدارة قطاعات شاسعة من الأراضي على طول الحدود السورية وفي عمق بعض المدن.
فالمحافظة الاولى التي طالبت ومنذ عدة سنين وبصورة متكررة عن ضرورة اقامة الاقليم الشيعي : في البصرة التي نادت عدة مرات بالانفصال وضرورة تفعيل دور قانون البترودولار الذي يضمن حق المواطن البصري .. ولن يحقق ذلك الا في اقليم البصرة، الا ان الحكومة المركزية دائما ما تواجههم بين الرفض والتاجيل.
ملامح اخرى بدت بعد خروج انصار الصدر بمضاهرات عارمة وسط بغداد العاصمة بمطالبات سلمية لتحقيق العدالة ومحاربة الفساد، الا انها جوبهت اخيرا بالرصاص واغلاق منافذ المنطقة الخضراء بعد دخول المتظاهرين قبة البرلمان..
حينها توجه البيت الشيعي الى تعميق فكرة اكثر وضوحا باقامة الاقليم الشيعي لكن بتوجيه اكثر من ولاية الفقيه باقامة “دولة المقدسات” على حد تعبيرهم .. بتمديد النفوذ الايراني سياسيا ودينيا ودعمه عسكريا ومذهبيا في العراق وسوريا.
وتصطدم كذلك الاتفاقية مع رؤية الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون (وهو الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 1913 إلى 4 مارس 1921)، الذي دعا إلى تقرير مصير الشعوب التي أخضعتها الإمبراطورية العثمانية لسيطرتها.
وفي الحقيقة، لم ترسم تقريبا أي من الحدود الموجودة حاليا في الشرق الأوسط في الوثيقة التي أبرمت في 16 مايو/ آيار عام 1916 على يد كلٍ من مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو، الا ان الانقسام الحاصل وتطور المشهد السياسي خلال اقل من عقد .. ادى الى تغير اللعبة العربية الغربية مع وجود مسميات “محاربة الارهاب”.
ختاما، كان العراق قبل الاتفاقية يتشكل من ثلاث ولايات، هي: بغداد والبصرة ونينوى. وقد يعود العراق اليوم إلى مجموعة ولايات. ومن المؤكد هنا أن التغيير لن يطال الحدود الخارجية التي رسختها “سايكس-بيكو”، لكن التغيير طال ولا يزال نظام العراق السياسي، الذي انتقل بفعل دينامية الأحداث من دولة مركزية قبل 2003 إلى عراق فيدرالي واقعي على الأرض قبل أن يكون مكتوبا بقانون تحترمه الأطراف.
وقد تسوق الأحداث العراق إلى أن يعود إلى عصر ما قبل انقلاب 1958، وليس إلى عصر ما قبل اتفاقية “سايكس-بيكو”. وقد يكون عصر ما قبل انقلاب 1958 حلا وسطا ليس فقط بين العراقيين المنقسمين بين سايكس وبيكو اللذين أسسا للدولة الوطنية وبين بايدن الذي أشار إلى الفدرلة، بل بين إيران وتركيا أيضا