التوتر بين تركيا والعراق وانعكاساته على معركة الموصل

مشرف 1.9K مشاهدات0

هدّد رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” في ٩-١٠-٢٠١٦ القوات التركية المتواجدة في بعشيقة بأنه “لن يُسمح لها بالمشاركة في تحرير الموصل، نقطة رأس سطر” وأن “القوات التركية ليس لها دور في التخطيط أو التنفيذ، ولتصرح من الصباح إلى الليل” لكن التهديد الصريح كان في قوله “أنصح القوات التركية الموجودة في المعسكر بعدم الخروج منه”.

ومن لديه قراءة في طبيعة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإنه توقع أن يكون له رد بمستوى التهديد الذي تلقاه، وهذا ما حصل فعلا ولكن بصورة فاجأت الجميع، بمستوى رفع سقف التوتر الذي لم تعهده الدبلوماسية بين البلدين في الخطابات بينهما.

فبعد يومين وتحديدا في ١١-١٠-٢٠١٦ وأمام القمة التاسعة للمجلس الإسلامي في إسطنبول صعّد أردوغان خطابه عاليا مخاطبا العبادي “نحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدك أولا” ثم أسهب “إنه يسيء إليّ وأقول له أنت لست ندي ولست بمستواي وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق” وبرّر ذلك “يقال لتركيا التي لها حدود بطول 911 كم مع سوريا و350 كم مع العراق إنه لا يمكنها التدخل لمواجهة الخطر هناك”.

وهنا بتقديري لم يكن الخطاب يتمتع بالدبلوماسية العالية، فقد حاد الكلام عن الصواب ومصلحة البلدين، لأن أردوغان يعلم علم اليقين أن قدم الوجود التركي في العراق ليست ثابتة، وأن من يتكئ عليهم من العراقيين لن يستطيعوا أن يشكّلوا قوة رمح يمكن أن يحارب بهم كما فعل مع الجيش الحر في سوريا.

المصالح التركية وتوابيت القتلى
لم تنقضِ ساعات حتى جاءت ردود الأفعال الغاضبة على خطاب الرئيس التركي أردوغان، وأول هذه الردود كانت من العبادي نفسه حيث كتب في تغريدة له: “بالتأكيد لسنا ندا لك.. سنحرر أرضنا بعزم الرجال وليس بالسكايب” في إشارة منه إلى ظهور أردوغان ببرنامج “الفيس تايم” وليس السكايب، في ليلة انقلاب 15 تموز الماضي.

وهنا في تقديري لم يوفّق العبادي، أو أخطأ مستشاروه في هذه الإشارة، لأن “الفيس تايم” أخرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع وأوقف أردوغان من خلاله انقلابا محققا، في حين لم يستطع العبادي حل مشكلة النازحين في العراق لا بالسكايب ولا بأي جهد آخر ومنذ أكثر من ثلاث سنوات.

رد الفعل الآخر والذي يؤخذ بالحسبان ويعد ذا قيمة جاء من الحشد الشعبي في العراق، فقد تجمعت قيادات الحشد الشعبي وتحدث باسمهم “أوس الخفاجي” قائد ميليشيا “أبو الفضل العباس” وهاجم أردوغان هجوما عنيفا “شتما وسبا” ودعا إلى استهداف الأتراك واستهداف المصالح التركية في العراق وأكّد أن تحرير الموصل سيكون على يد الحشد الشعبي وأن القوات التركية في بعشيقة ستعامل كعدو”.

توالت بعدها عشرات ردود الأفعال من سياسيين “شيعة” كانت عبارة عن تفريغ شحنات طائفية، فقد دعت النائبة حنان الفتلاوي أردوغان “لاستقبال الجنود الأتراك بتوابيت خشبية”، في حين التزم سياسيو “السنة” الصمت حول ما جرى.

وهنا لا بد من التأكيد على أمرين، الأول أن الميليشيات في العراق ستصعّد تصعيدا خطيرا ضد الأتراك وضد المصالح التركية المتواجدة في العراق، وهذا ما يستدعي تحرّكا عاجلا من قبل تركيا ومن قبل الحكومة العراقية أيضا لحماية أرواح الأتراك المتواجدين في العراق وممتلكاتهم ومشاريعهم.

والأمر الثاني، أن الصمت الذي التزم به سياسيو السنة لم يكن غريبا على الإطلاق، فهم في وضع لا يحسدون عليه، وهو أيضا رسالة مهمة لتركيا، بأن من تعتمد عليهم حاليا من السنة في العراق ومن وضعت كل بيضها في سلتهم لن يستطيعوا أن يقفوا الموقف المرجوّ منهم بالتصريح فضلا عن القتال، وإعادة الحسابات أصبحت مهمة.

خلفية مخطط لها
خلال الأسبوع الماضي نشرت وسائل إعلام عربية معلومات عن مصدر رفيع في وزارة الخارجية العراقية تتحدث عن لقاءات بين قادة الحشد الشعبي ومنهم هادي العامري، وأبو مهدي المهندس وغيرهم مع وزير الخارجية إبراهيم الجعفري وكبار مسؤولي الوزارة لتحديد السياسة الخارجية للبلاد وفقا للمعطيات التي يراها الحشد.

وكانت في أولوية هذه الملفات التي ترسم سياسة العراق في المرحلة القادمة تصعيد الخطاب مع المملكة العربيّة السعودية، ومع تركيا تحديدا، مقابل التعاطف مع اليمن والنظام السوري، كسياسة خارجية ثابتة.

وهنا يمكن قراءة التصعيد ضد القوات التركية في العراق، في حين أرض العراق وسماؤه ممتلئة بالقوات الأجنبية ومن كل الجنسيات ولم تعامل كلها بسياسة واحدة، وهذا يضع العبادي في موقف الضعيف.

هل ستشارك تركيا في معركة الموصل؟
الأتراك عقدوا اجتماعات موسعة مع الأمريكان بهدف أخذ الضوء الأخضر منهم للمشاركة في حرب الموصل ضمن قوات التحالف الدولي وكذلك في منع الحشد الشعبي من الاشتراك في المعركة.

هذه الاجتماعات تضعنا أمام عدة حقائق مهمة نستطيع أن نلخص فيها الصورة: أولها أن الأمريكان غالبا ما يتنصلون من اتفاقاتهم مع تركيا، في مقابل دعم وتنسيق وفسح للمجال وإطلاق يد إيران، وهذه سياسة امتازت بها إدارة أوباما.

من جهة أخرى، إن من يسيطر فعلا على الأرض في العراق هو الحشد الشعبي، ومن خلال هذه السيطرة استطاع الحشد أن يهمّش الحشد الوطني السني “المحسوب على محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي” والمدعوم من تركيا، وربما سيعاد سيناريو الفلوجة عندما منع الحشد الشعبي الحشد العشائري من دخول الفلوجة وأبقاه في أطرافها فقط.

وبالتالي ووفق هذه الحقائق لن يكون هناك تأثير حقيقي لتركيا على الأرض، إلا إذا دخلت تركيا بصورة رسمية في التحالف الدولي وهدّأت أمريكا العلاقات بين الجارين، وهذا ما لا تريده إيران، وربما لا تريده أمريكا أيضا.

المصدر | تركيا بوست

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: