كيف يستعد اهالي الموصل للمعركة المرتقبة؟

هيئة التحرير 1.8K مشاهدات0


  سوادٌ في سوادِ ، افضل وصف للموصل تحت حكم "داعش" واخشى ان يكون كذلك فيما بعد. السواد ليس تعبيرا مجازيا فقط فالعتمة الشديدة تبدأ من تفاصيل دقيقة كالخمار، سجن الموصليات الانفرادي ، والتعتيم الاعلامي الشديد الى درجة صارت المدينة بسببه معصوبة الأعين . المستقبل معتم ايضا لا احد يعرف كم ستكلف معركة التحرير المرتقبة من خسائر بشرية ومادية وما يترتب عليها من نتائج سياسية واجتماعية ستتجاوز حدود مسرح العمليات العسكرية .
 

ما الموصل ؟
يروّج الاعلام المحلي والدولي هذه الايام لـ "الموصل" على نطاق واسع جدا ، وللاسم معنيان : الاول ضيق ويقصد به المدينة التي تبلغ مساحتها نحو (1800 كم2) ولا تشمل توابعها (خمس ناحيات) ويقدر عدد سكانها حاليا ما بين 1.2 الى 1.5 مليون نسمة ، وفيها تتركز قوة "داعش" ومعقله الأهم اذ أنها مصدر تمويل لا ينضب من التجارة والإتاوات التي يجمعونها من الناس باسم بدلات الايجار والغرامات وغيرها.


المعنى الاخر للموصل هو الاوسع والاكثر تعقيدا ويقصد به محافظة نينوى التي تضم 31 وحدة ادارية ، اي قضاء الموصل (المدينة وتوابعها) وثمانية اقضية اخرى ، اذ شهدت تعقيدا سياسيا مرتبطا بالمناطق المتنازع عليها وهي 19 وحدة ادارية يخضع 13 منها لسيطرة اقليم كردستان والـ17 وحدة المتبقية ما زالت تحت سيطرة "داعش" باستثناء ناحية القيارة جنوب الموصل التي حررتها القوات العراقية.


التمييز بين المعنَيين مهم في هذا الوقت تحديدا بالنسبة للسياسيين والمسؤولين والقادة الأمنيين والإعلاميين ، لأن الموصل / نينوى تمر بمخاض عسير ، والسؤال المؤرق ما شكل المولود المنتظر ؟
 
نزوح ام لا؟
قبل حزيران – يونيو 2014 كانت الموصل/المدينة تضم حسب الاحصاءات الرسمية نحو 1.6 مليون نسمة اي اكثر من نصف سكان المحافظة ، وقد حدثت تغييرات دراماتيكية سريعة في التركيبة السكانية بسبب الظروف التي نتجت عن احتلال داعش لنينوى ، موجات نزوح وتهجير من المدينة الى الخارج ، وموجات نزوج عكسية من الخارج (القرى والمحافظات المجاورة) الى المدينة.


اكثر التقديرات تواضعا تذهب الى وجود 1.2 مليون نسمة فيها حاليا، هذا الرقم الكبير يشكل ازمة عراقية تردد صداها في اروقة الامم المتحدة . المنظمات الانسانية حذرت مرارا من حدوث موجة نزوح غير مسبوقة ، في 23 اب / اغسطس الفائت قال الناطق باسم المفوضية العليا للاجئين ادريان ادواردز في جنيف إن "ما يصل إلى 1,2 مليون شخص قد يتأثرون" بعملية تحرير الموصل.


جميع المؤشرات تذهب الى ان استعادة الموصل ستكون أواخر 2016 أو بداية 2017 ، أي في فترة أقصاها ستة أشهر ، وعمليا لا توجد على الارض الآن مشاريع لبناء مخيمات تستوعب موجات النزوح المتوقعة (مئات الألوف) ، وإقليم كردستان العراق لا يبدو انه مستعد او قادر على استيعاب هذه الموجة البشرية التي تستطيع ان تغرق مدنه المكتظة مسبقا بنازحين غالبيتهم من
نينوى.


الاوضاع مأساوية في المخيمات التي بنيت قبل شهرين للفارين من مناطق جنوب الموصل، حيث لا يتوفر المكان المناسب فقد زُج في مخيم ديبكة (شرق الموصل) نحو 20 الف نسمة في مخيم مخصص لـ4 الاف فقط قبل واثناء العمليات العسكرية ضد داعش في القيارة ، الى جانب النقص الحاد في الطعام والدواء ، لذا كانت عودتهم الى قراهم عجولة بعد تحريرها.


الاسئلة هنا مرة علقم ، هل ما زال في الحسبان حدوث موجات نزوح هائلة ؟ اذا كان الجواب نعم . الى اين سيذهبون والابواب كلها مغلقة ولا توجد امامهم سوى مناطق صحراوية جرداء .
ام ان مشروع النزوح بات ملغيا ؟ واذا كان الجواب نعم . كم ستطحن المعارك من المدنيين المحاصرين ، خاصة ان "داعش" لن يتوانى عن جعلهم دروعا بشرية لوقف تقدم القوات العراقية اذا ما ارادت اقتحام الموصل !

كيف تعيش اليوم ؟
 

الموصل/المدينة موءودة وتعيش خارج نطاق الزمن منذ 27 شهرا ، ومن يعرفها جيدا يدرك اهميتها بالنسبة للعراق ، فعندما سقطت اسقطت معها صلاح الدين والانبار وديالى وجزءا من كركوك وتعرضت بغداد للتهديد 

وبعيدا عن التفاصيل والقصص المأساوية، السكان في مجاعة وفقر لم يشهدوه طوال القرن الماضي في الاقل ، البطالة اكثر من 80% ، الحكومة الاتحادية تقطع رواتب الموظفين والقطاع الخاص اصابه شلل شبه تام ، والتنظيم حارب الناس في ارزاقهم ليكسب مزيدا من المقاتلين مقابل راتب يتراوح بين 150 الى 400 الف دينار.


بالنسبة للخدمات الطبية فهي متردية بسبب نزوح اكثر من 40 % من الكادر ونقص المستلزمات الطبية خاصة الدواء ، كما ان "داعش" حوّل المشافي الحكومية الى تمويل ذاتي كي يجبر المرضى على دفع مبالغ مالية مقابل العلاج ، بعدما كانت مجانية في ظل سيطرة الحكومة الاتحادية. اما الكهرباء والماء والمشتقات النفطية فهي اسوأ ما تكون عليه اليوم، الكهرباء مثلا تصل ساعتين فقط كل 72 ساعة في احسن الاحوال من الشبكة الوطنية والمولدات الاهلية تعمل مقابل المال الذي لا يتوفر لكثير من الناس هناك.


مستقبل نحو نصف مليون طالب من الابتدائية الى المرحلة الجامعية ، تبعثر على مدى ثلاثة مواسم دراسية ، في كارثة اجتماعية غير مسبوقة سيدفع ثمنها جيل كامل ، خاصة ان وزارة التربية والحكومة عامة لا يبدو انها تخطط او تتحمس لمواجهة هذه المعضلة وفق اسلوب علمي مدروس.


استطيع القول ان الغالبية الساحقة من الموصليين متحمسون للتخلص من "داعش" بل انهم يعدون الايام والساعات بانتظار تلك اللحظة، لكن في الوقت نفسه ثمة خوف من المستقبل، ربما خففه التحرير النظيف للشرقاط والقيارة.


كيف يستعد داعش لمعركة الحسم؟
الدفاع من داخل الحصن خطة داعش القتالية في الموصل ، وبعد تحرير القيارة اواخر اب الفائت كثف التنظيم العمل على تنفيذ هذه الخطة والترويج لها.
باختصار ، هي محاولة لاستنساخ خطة المسلمين بقيادة النبي محمد في معركة الخندق قبل 14 قرنا! 


ما يجري على تخوم الموصل من حفر خنادق طويلة وبناء جدران عالية بالمصدات الكونكريتية التي خلفتها القوات العراقية في المدينة لعرقلة تقدم القوات التي ستشارك في الاقتحام (الجيش ومكافحة الارهاب وحشد النجيفي والحشد العشائري، بمساندة البيشمركة والحشد الشعبي) ، وتحسبا لوقوع حرب شوارع في احياء الموصل حفر شبكة انفاق يصعب توقع مساراتها حاليا.


يبدو الامر مضحكا لأول وهلة، فطيران التحالف الدولي وعلى رأسه اسراب (F16) الامريكية الاكثر تطورا في العالم قادر على حسم نصف المعركة ، لكن الخشية الحقيقية تكمن فيما اذا كان عناصر التنظيم ينوون القتال حتى الموت في الموصل . هنا ستكون المهمة صعبة والفاتورة مكلفة.


قائد القيادة المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل توقع ان "داعش سيقاتلون في مواضع وينسحبون من مواضع اخرى بالموصل"، وهذا طرح منطقي الى حد ما.
داعش لا يخشى القادمين من وراء الاسوار فحسب، فهناك بوادر مقاومة قد تندلع اذا ما وصلت القوات العراقية الى تخوم المدينة، ما يفسر حملة الاعتقالات الواسعة التي يشنها منذ اسابيع ضد ضباط كبار في الجيش السابق واعضاء فاعلين في حزب البعث المنحل وعناصر أمن وشرطة وشبان متهمين بمناوأتهم لدولة الخلافة المزعومة.

المصدر: جريدة المدى

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: