تركيا وكردستان .. الابعاد الستراتيجية والسياسية

هيئة التحرير 2.6K مشاهدات0

 

 

تعد العلاقات التي تربط تركيا باكراد العراق حالة قد تلفت انتباه البعض الى سبب اختلاف علاقة انقرة مع اكراد تركيا عن علاقة الاخيرة باقليم كردستان العراق ، الا انه عند النظر الى مراحل العلاقة وتطورها بين الطرفين ووقوعها في منطقة تجاذبات دولية القت بضلالها المباشر على كردستان العراق مما فرض على الاخيرة التوجه نحو طرف متزن يمكن من خلال العلاقة معه الحفاظ على مكتسبات تحققت على مدى عقود وتم تعزيزها في فرصة تاريخية بعد سقوط نظام صدام حسين ، وكان اكراد العراق  سيفقدوها بلا شك لو سبحو عكس تيار السياسة الخارجية التركية.

البعد التاريخي
يقع اقليم كردستان العراق ضمن ماكان يسمى بولاية الموصل التي تصارعت عليها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية عندما تم تقسيم املاك الدولة العثمانية .

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 احتلت بريطانيا الموصل لعلمها المسبق بوجود النفط فيها، وألحقتها ببقية أراضي العراق التي احتلتها أثناء الحرب، مما أثار احتجاج فرنسا التي ما لبثت أن تنازلت عن مطالبتها بالموصل لبريطانيا -بموجب “معاهدة سيفر” الموقعة في 10 أغسطس/آب عام 1920- مقابل حصول فرنسا على لواء إسكندرون شمال غربي سوريا.

تولد عن نزاع الدولتين ما أصبح يسمى “مسألة الموصل”، وقد تبنتها أولا “عصبة الأمم” وبذلت مساعي لتسويتها بالتراضي إلا أنها لم تستطع، فاتخذت -في 16 ديسمبر/كانون الأول 1925- قرارا بعودة الموصل إلى العراق (لم ينفذ رسميًا إلا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1932).

ومع ذلك لم تسلّم الدولة العثمانية بالأمر الواقع الذي فرضه الإنجليز مدعين أن جيش تركيا انسحب طوعا من الولاية، وظلت أنقرة تطالب بإعادة الموصل إلى سيادتها حتى بعد إلغاء معاهدة سيفر والتوقيع على “معاهدة لوزان 2” بينها وبين بريطانيا وفرنسا عام 1923.

ثم دخلت بريطانيا والدولة العثمانية في مفاوضات ثنائية لحل نزاعهما بشأن الموصل أسفرت عن “اتفاقية أنقرة” التي وقعها الجانبان والمملكة العراقية آنذاك بالعاصمة التركية يوم 5 مايو/أيار عام 1926.

بين الموصل وانقرة

إعطاء تركيا حق التدخل العسكري في الموصل وشمالي العراق لحماية الأقلية التركمانية القاطنة هناك إذا تعرضت لأي اعتداء، أو لحق بوحدة الأراضي العراقية أي “تخريب”.

ورغم أن “مسألة الموصل” انتهت من الناحية القانونية بإبرام “اتفاقية أنقرة” التي اعترفت فيها أنقرة بالحدود الدولية الحالية بينتركيا والعراق؛ الا إن مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وعد نواب البرلمان المعترضين على الاتفاقية بالعمل على “استعادة الموصل في الوقت المناسب”.

وقد دأب الساسة الأتراك على العودة إلى “اتفاقية أنقرة” للتذكير بـ”حقهم” في التدخل العسكري في شمال العراق لمنع “تهديدات” أمن بلادهم القومي القادمة من هناك. ويقولون إنهم تركوا ولاية الموصل وفق اتفاقية 1926 لـ”عراق موحد”، ولهذا يجب أن يبقى العراق كذلك  وإلا فإن “الاتفاقية ملغاة”.

وقد طالب الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل في مايو/أيار 1995 بضرورة “تعديل” الحدود العراقية التركية لأسباب أمنية مؤكدا أن الموصل “ما زالت تابعة لتركيا”. وقال الرئيس التركي السابق عبد الله غل -عندما كان وزيرا للخارجية-  في أغسطس/آب 2003 “سنأخذ حق تركيا من البترول هناك (محافظة الموصل) ضمن إِطار حقوقي”.

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2016 صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -خلال ندوة نُظمت في إسطنبول- بأن “العراق بحاجة إلى عمل عسكري مشابه لـ‘درع الفرات‘ (التي نُفذت في سوريا)، فحل مشكلة الموصل يمر من خلال الإصغاء إلى المنظور العقلاني لتركيا..، ونحن نفكر في إطلاق عملية مماثلة في العراق، ونطلب من كافة القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا”.

علاقات مابعد 2003
بعد التغيير الذي حصل في العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003  وصدور الدستور العراقي الجديد الذي اعتبر العراق دولة ديمقراطية فيدرالية تتكون من إقليمين الإقليم العربي في وسط وغرب وجنوب العراق والإقليم الكردي في كردستان العراق

فقد حصل الأكراد على حقوقهم كاملةٌ بل  وأكثر من ذلك حيث أصبح لهم رئيس للإقليم وحكومة محلية وبرلمان ووزارات ودوائر حكومية خاصة بهم كما أصبح لهم حرس خاص للإقليم .

في عام 2007، وفي الوقت الذي بلغت فيه العلاقات التركية الكردية أدنى مستوى لها، اتخذت حكومة إقليم كردستان العراقية قراراُ استراتيجياُ باللجوء إلى تركيا، إذ رأى الأكراد العراقيين في تركيا حليفهم المستقبلي ضد إيران وسوريا والحكومة المركزية في العراق. وكانت تركيا في ذلك الوقت تنتهج موقفاُ عدائياُ ضد حكومة إقليم كردستان لسببٍ رئيسي تمثل في امتلاك حزب العمال الكردستاني لقواعد داخل الإقليم استغلتها هذ الجماعة الإرهابية لشن هجمات داخل تركيا. ومع ذلك، بادلت تركيا موقف الانفتاح الذي أعربت عنه حكومة إقليم كردستان متخذة في النهاية خطوات اقتصادية تمثلت في إرسال رجال الأعمال وشركات الطيران والبضائع إلى إقليم كردستان. ومنذ ذلك الوقت، ساهمت العلاقات الاقتصادية المزدهرة في تغيير الطابع العام للعلاقات التركية الكردية.

وبسبب الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الجيدة ازداد إقبال الشركات الأجنبية للعمل في كردستان وكان للشركات التركية النصيب الأكبر في الأعمال والمشاريع وتطورت العلاقات التجارية والسياسية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان بعد تصدير النفط من الإقليم عبر موانئ تركيا.

وأصبح حجم الصادرات التركية لإقليم كردستان يتجاوز أربعة مليارات دولار سنوياٌ وازدادت زيارات الوفود الكردية السياسية والتجارية إلى تركيا وبالعكس ومن نتائج هذه العلاقات المتميزة تم إبرام اتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردي يقضي بتجميد نشاط الحزب العسكري مقابل خروج مقاتلي الحزب من الشريط الحدودي التركي وإسكانهم في المناطق الجبلية في إقليم كردستان العراق.

ان مصالح تركيا التجارية والاقتصادية التي تربطها مع أكراد العراق كبيرة جداٌ وحتى علاقات تركيا التجارية مع باقي اجزاء العراق تمر عبر المنافذ الحدودية لكردستان العراق .

وقد بلغ حجم الصادرات إلى المنطقة الخاضعة لإدارة حكومة إقليم كردستان 1.4 مليار دولار في عام 2007، ليحتل إقليم كردستان المرتبة التاسعة عشرة في قائمة أكبر الأسواق المستوردة من تركيا. وفي عام 2011، أصبحت حكومة إقليم كردستان سادس أكبر سوق للصادرات التركية، حيث بلغت هذه 5.1 مليار دولار. وبحلول عام 2013، قفز إقليم كردستان ليصبح ثالث أكبر سوق للصادرات التركية التي بلغت قيمتها 8 مليار دولار.

المصدر:تركيا بوست

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: