ماذا يريد سنة العراق من السعودية والخليج؟

هيئة التحرير 2.7K مشاهدات0

 

 

عمق العلاقة بين العراق والخليج العربي عامة والمملكة العربية السعودية خاصة محكوم بالجغرافية والتاريخ والهوية العربية والإسلامية، وهذا العمق من العلاقة المحتومة له جانب سياسي مهم جدا بفعل ما تقدم وبفعل المصير المرتبط بالموقف من إيران واعتداءاتها المستمرة على العرب على مدار حقب تاريخية ممتدة، والمشاهد اليوم يغتني عن الحديث في تاريخ الصراع الإيراني العراقي وأثره على الخليج والمملكة، فإيران اليوم تبتلع العراق ولم يعد هذا خافياً على أحد، والسياسة العدائية القائمة من الطرف العراقي المنضوي تحت الجناح الإيراني وسياساتها ضد المملكة والخليج معلوم، وآخرها طلب استبدال السفير السعودي في العراق.

 

وهنا أتوجه إلى كل من له اهتمام، من دول الخليج والمملكة بشكل خاص من سياسيين ومسؤولين ونخب ومؤسسات دولة أو مجتمع مدني، بالشأن العراقي وانعكاساته على أهل السنة فيه خاصة وعليهم بشكل عام، لأضع بين أيديهم جوابا لسؤال طالما سمعته وطالما أخطأ من مثل سنة العراق، برغبة خليجية، في الإجابة عليه أمام دول الخليج، وقصروا في الممكن منه وغير الممكن، ولذلك أقول:

 

إن أهل السنة في العراق اليوم بعد أن هجر منهم قرابة الستة ملايين ورُمِّل قرابة المليون ويُتّم أكثر من أربعة ملايين طفل، وعطلت المدارس وأغلقت أبوابها بسبب التهجير، إما بسبب الحكومة نفسها وإما بسبب المليشيات والحشد الشيعي التابع قانونيا لها وواقعيا لإيران، وإما بسبب داعش، وأيا كان السبب فالنتيجة أنه قد أفرغت مدن كاملة من أهلها كمدينة الرمادي والفلوجة والشرقاط وبيجي وغيرها، وهذا يضعنا أمام مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل جزئي أو كلي، وأولى من يجب أن يقوم بهذا الحل ويبحث عنه المملكة ودول الخليج للمسؤولية التاريخية المحمولة على عاتقها، ولكي تسهم بحماية عمقها السني وتحافظ على أمنها الاستراتيجي، وهذه الحلول جواب العنوان، وهي:

 

1ـ التعليم: إن دول الخليج سنويا تبتعث آلاف الطلبة إلى أمريكا وأروبا وآسيا للدراسة والتعليم، فضلا على أنها تستقدم آلاف الطلبة من مختلف العالم في جامعاتها، على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، إلا أنه وللأسف لم تسمح هذه الدول أن تستقبل طلبة أهل السنة في جامعاتها ولم توفر لهم فرص الابتعاث إلى دول العالم.

 

وهنا لا بد من أن تدرك دول الخليج حجم الشريحة من أهل السنة التي تضررت من آثار الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق فلم تستطع أن تواكب المسيرة العلمية وهذا مقصد أمريكي إيراني عملوا عليه لتجهيل أهل السنة وجعلهم أمة متخلفة، واليوم وزارة التعليم العراقية تبتعث أكثر من اثني عشر ألف طالب للدراسة خارج العراق وللأسف هو ابتعاث طائفي بامتياز، وإيران تستقبل في حوزاتها وجامعاتها آلاف الطلبة من العراق وغير العراق.

 

إن الدول تُبنى وتقوم على النخب ذات الاختصاص المتنوع وهذا ما تحرص عليه الدولة الطائفية في العراق، ولهذا لا بد من أن تقف المملكة والخليج لهذا الأمر، ويكون لهم دور مشابه تحرص من خلاله لتكوين فريق بناء العراق ضمن خطة استراتيجية، مدروسة وذات برامج محددة ومشاريع تؤهلهم لقيادة المجتمع والدولة، وليشكلوا التوازن المطلوب للعراق في المستقبل وإلا فلن يكون هناك إلا الطائفية المهلكة.

 

يجب على المملكة والخليج أن تفتح أبوابها ومؤسساتها وتصنع قراراتها بما يحقق أمنها الاستراتيجي وذلك باحتضان شريحة المتعلمين من أهل السنة ورفدهم بما يؤهلهم لقيادة المجتمع في مرحلة لاحقة، فيكونوا على قدر من المسؤولية لصد المؤامرة الطائفية.

 

 

2- الإغاثة: كلنا شهدنا موقف المملكة والخليج من اليمن وكيف قدمت المساعدات الإنسانية وعقدت المؤتمرات لجمع التبرعات وعملت، إن لم تكن كل المؤسسات الإغاثية فأغلبها، لإغاثة الشعب اليمني وكذلك يقال عن سوريا وأفريقيا ودول أخرى، بل لقد شملت مساعدات الخليج حتى أمريكا ودولا عظمى، إلا أنه وللأسف نجد أن يدهم كانت ولا تزال قصيرة في إغاثة نازحي أهل السنة، بل نسمع بين الفينة والأخرى أن بعض المؤسسات تم إغلاقها لأنها قدمت مساعدات لنازحي أهل السنة في العراق وأراملهم وأيتامهم، ونجد إحجاما وترددا من قبل هذه المؤسسات لارتباطها بالقرار السياسي لبلدانها لا تستطيع تجاوزه.

 

إن لم يكن هناك دور حقيقي وفاعل من المملكة والخليج تجاه إغاثة أهل السنة، فأي دور آخر لا قيمة له ولن يكون له أثر يذكر. إن على المملكة والخليج أن تُسخر كل الطاقات والإمكانات لأجل سد الخلل الحاصل وهي على ذلك قادرة وبه أجدر من غيرها.

 

 

3-جمع شمل أهل السنة: للأسف عملت المملكة ودول الخليج على إيجاد ممثل لأهل السنة في العراق وفي العملية السياسية القائمة فيه منذ ثلاثة عشرة سنة مضت ولكنها وعن قصد اتخذت الخيار الخطأ فعولت على أياد علاوي ليمثل أهل السنة مرة وعلى صالح المطلك مرة أخرى وعلى خميس الخنجر مرة ثالثة!! وغيرهم ولا تزال محاولاتها مستمرة ولم تفلح في ذلك ولن تفلح، لأنها لم تقصد طرفا سنيا قويا في المعادلة واستبعدت كل من كان له أثر على الأرض وحاربته، وقللت من دوره، وفي ذلك حقائق يعرفها القاصي والداني.

 

إن على المملكة اليوم أن تنتفع من أخطائها هذه وتعمل في أربعة محاور لتدارك الخلل الحاصل والكارثة الواقعة: المحور الأول: جمع النخب وتوجيههم، المحور الثاني: جمع الأحزاب والهيئات والمؤسسات السياسية، المحور الثالث: مظلة المؤسسات الشرعية، المحور الرابع: صياغة البيت السني، المحور الخامس: التوازن الإقليمي والدولي، وآلية ذلك:

 

المحور الأول: جمع نخب أهل السنة، فتعمل من خلال عقد جملة مؤتمرات تخصصية لجمع أكبر قدر من النخب أهل الاختصاص في التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد وغيرها، وتشكل من خلالهم مؤسسات رصينة تدعمها بقوة لتكون وسائل ضغط وتأثير في المشهد العراقي.

 

 

المحور الثاني: هيئة الأحزاب السنية، تعمل من خلال مؤتمرات متعددة لجمع الأحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية والمعارضة والهيئات والمؤسسات ذات الصلة، لتوحيد الرؤى والاتفاق على الأهداف المصيرية المشتركة والضغط باتجاه تشكيل كتلة سياسية ضاغطة تؤثر على المشهد السياسي القائم، وتقبل بالجميع ولا تنحاز لطرف على طرف، بل عليها أن تبحث عن صاحب الأثر على الأرض، ومن يملك الجمهور والقرار وتستمع له ولغيره، ثم تؤسس عملا يصب في نفع أهل السنة وخلاصهم.

 

 

المحور الثالث: مظلة المؤسسات الشرعية، على المملكة ودول الخليج أن تعمل للتوفيق بين المؤسسات الشرعية السنية في العراق لما لها من أهمية بالغة في المشهد السياسي والمجتمعي.

 

لقد أدركت إيران أهمية المؤسسة الشرعية لأهل السنة فحاولت ولا تزال تحاول وتعمل جاهدة لاحتواء أي مؤسسة بغض النظر عن توجهها الفكري والعلمي، ولكنها إلى الآن لم تفلح إلا في نطاق ضيق جداً، والمملكة أقرب إلى أن تحقق هذا الهدف فتجمع هذه لمؤسسات ضمن مظلة واحدة في الرؤية الاستراتيجية والأهداف المصيرية الكبرى لسنة العراق، فتعقد لذلك جملة مؤتمرات وندوات وورش وتنفتح عليها من خلال مؤسساتها الشرعية والعلمية ورموزها.

 

 

المحور الرابع: صياغة البيت السني، من خلال قاعدة المحاور السابقة يمكن لها أن تكون البيت السني، وذلك بجمع النخب ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والهيئات الشرعية، يمكنها أن تجمع أهل السنة على قاعدة واحدة ذات رؤية استراتيجية وأهداف كبرى، مع الاحتفاظ لكل طرف بخصوصيته في أهدافه ومشاريعه وتوجهاته، فتعقد لذلك المؤتمرات والورش والندوات وتصاغ لأجله سياسات وتوافقات وتعهدات.

 

 

المحور الخامس: التوازن الإقليمي والدولي، لا بد أن تعمل المملكة والخليج على مجموعة محاور للضغط الإقليمي والدولي لتحقيق توازن في العملية السياسية في العراق وإنصاف أهل السنة فيه وإخراجهم من الضغط الحاصل عليهم، وإعادتهم إلى مدنهم ومنع التغيير الديموغرافي الحاصل والذي يستهدف حصر أهل السنة في رقعة لا تتجاوز 25% من جغرافية العراق، وإبعادهم عن المدن الرئيسية والمراكز المهمة فيه، وعن الحدود التي تربطهم بالمملكة كما حصل من اقتطاع منطقة النخيب الحدودية مع السعودية التابعة لمحافظة الأنبار السنية وضمها إلى محافظة النجف الشيعية، وكل ذلك لأجل عزل سنة العراق عن عمقهم الاستراتيجي المتمثل بالمملكة، وبالعكس.

 

إن لم تتدارك دول الخليج وعلى رأسهم المملكة دورها في العراق وتستجيب بخطوات عملية لتحقيق المحاور أعلاه وهي قادرة على ذلك؛ فإن ما أصاب العراق سيصيبهم وستشهد دول الخليج أكثر مما شهده العراق، وحينها لن ينفع الندم ولات حين مناص

المصدر: محمد نعمة – المعهد المصري للدراسات السياسية والاسلامية

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: