عشرة دروس تعلمها النازحون في العراق

محمد عبد الرحمن 1.4K مشاهدات0

النازحين في عامرية الفلوجة

 

خلال عامين مضت ومنذ انطلاق العمليات العسكرية مع دخول داعش للعراق، حصلت اكبر موجة نزوح وهجرة داخلية وخارجية للمواطنين لنحو 3.6 ملايين شخص، وقد واجهت تلك العوائل شتى انواع التعذيب النفسي والاظطهاد والحرمان من الكرامة والعيش الرغيد، فضلا عن القتل والاختطاف وغيرها.. في ظل انعدام ابسط مقومات المواطنة البعيدة عن الامن والاستقرار.

وقد تعلمت الاسر العراقية كيفية التكيف مع الحياة الجددة والتعايش بسرعة فائقة مع هذا الوضع المتقلب الذي نقل الناس من حال الى اسوا حال كانوا يتوقعونه يوماَ، بالاضافة الى ان العديد من الاسر والمواطنين من اصحاب التجارة والمحلات التجارية قد خسروا تجارتهم التي تقدر بملايين الدولارات في ظل حكومة القصف العشوائي .. واخرين خسروا احبابهم واخوانهم واقاربهم اثناء الاحداث .. فماذا تعلم النازحون ؟

1- : العيش بلا سياسيين

لقد تيقن شعب النزوح بمرور الزمن ومنذ سقوط النظام البعثي السابق، ان لااعتماد على اي سياسي في اصلاح ماتم تخريبه، سواء كان سياسياً كمنصب اداري او سيادي في الحكومة المحلية للمحافظة، او حتى فوزهم بكراسي البرلمان وصعودهم الى الكايبنات الوزارية وغيرها، .. او حتى الاقتصادية والحال المعيشي المتردي ومستوى البطالة المرتفعة، بل وحتى المستوى الاجتماعي الذي اصبح اليوم طبقيا بين فئات الاسر الغنية والفقيرة ولاوجود لطبقة وسطى بعد انتشار الرشاوي وسياسة المحاصصة المتبعة ..

ما الذي قدموه لنا ؟! سؤال يطرح في كل جلسة محادثة مع كل يوم، فما الذي قدمه سياسيونا الذين انتخبناهم وادلينا باصواتنا لاجلهم ؟! السؤال الذي لا اجابة له كما يبدو .. فمن كان في جبة السياسيين وفي خانة وصومعة الحزبية والفئوية فانه سيقول لقد قدمنا كذا وكذا .. الا ان المواطن البسيط لايرى هذه التطلعات الايجابية على حد  قول ومتابعة الكثير منهم وتفسيرهم لمتسوى الاحداث..

 كما ان الاحداث التي جرت وبتسارع كبير ومستمر من الانهيارات الامنية المتلاحقة كشفت العديد من السياسيين وتلاعبهم بدماء الناس على حساب الدولارات والسياسة الحزبية التي يقبع خلفها المسؤول، ثم ان الاخرين منهم تكتم عن قول اي شيء حفاظا على روحه وسط التهديدات التي اصبحت ب"بلاش" في حكومة ميليشياوية وعصابات منتشرة في كل مكان، اما البعض الاخر ففضل العيش خارج البلاد لحين انتهاء الازمة .. واعتبرها جولة سياحية لفصل الصيف الحار، ثم ابدى بعضهم بعدم اكتراثه بشيء والاخر لايدري وبعضهم ليس له علاقة فيما يحدث، والاخر يسب الاخر .. وذلك يتهم تلك ..

وهكذا يرى المواطن البسيط نفسه عالقا بين الاتهامات المتبادلة وبين الصراعات السياسية التي بدت في نشرة الاخبار كل يوم بانها دائمة وغير مستقرة ولاتبدو عليها اي بصائر لحل الازمة، ثم ان العديد من المواطنين الاخرين تركوا اي شيء كانوا يؤمنون به حول "السياسي" بخدمة بلاده او محافظته او حتى عشيرته .. وحتى لانعمم فان بعضهم قدم الكثير كالبطانيات والافرشة وبعض السلات الغذائية الرخيصة !!

2- العام الحالي اسوء من سابقه

يوما بعد يوم يتقين المواطن العراقي ان يومه هذا افضل مما سياتيه بالغد المجهول، وهذه السنة التي يعيشها هي حتما اسوا من سابقتها، وهناك شبه توافق بين الاسر العراقية والمواطنين والشباب على ان العيش قبل اربعة سنوات افضل يقينا من هذا الحال، فضلا عن الحالة ماقبل 2003..

وان هذه الوضعية الماساوية لم تزل تعصف بحياة الابرياء حتى كادت تبيدهم عن بكرة ابيهم، ثم ان العيش وسط هذا الزمن العصيب يتطلب منهم اعصاب عالحديد وقلوب كالجبال .. ولايخفى على القارىء ان هناك العديد من كبار السن ماتوا بسبب سكتات دماغية وقلبية مفاجئة جراء سماع خبر مفاجىء بقصف المنزل او موت احد افراد الاهل او الاصدقاء او حتى خسارة كل مايمتلك في طرفة عين.

3- لانأمن الطعنات في الظهر !

وبعد ان تخلى عنه الجميع .. تفائل بمساعدة بعض الاصدقاء المقربين له عسى ان يساعدوه، ففوجىء ببعضهم بالغدر به، فمن العوائل من نزح من منطقته ليس بسبب سوء الحال .. لكن بعد ان اخبر احد رجال الامن او حتى افراد من الدواعش انه ينتمي للحزب الاسلامي، او لديه اخ شرطي او انه بعثي سابق او منتمي لداعش.

 فالكثير من العوائل راحت ضحية العناوين والصاق الاتهامات الكبيرة كالارهاب والعمالة وغيرها، فكل ما كانت لديه سوابق حتى وان كانت بعيدة المدى بسنين طوال فانه سيحاسب اما من هذا الطرف او من الاخر .. ومن العوائل من تلقت التهديدات الكثيرة ثم هربت من جحيم العيش في ظل الخوف وغياب القانون.. او في انتضاره لطعنة سكين او رصاصة في الراس يتفاجىء بها اقربائه ثم ينقل الى اقرب مقبرة ليوارى الى مثواه الاخير .

4- كشف معادن الرجال

في ضوء المساعدات الانسانية بوجود اكثر من 80 منظمة دولية تعمل داخل العراق لمساعدة النازحين، لم تغط سوى 10% من احتياجات اكثر من ثلاثة ملايين وستمئة الف نسمة (بحسب تصريحات لاحد ممثلي الامم المتحدة)، اذ توجه العديد من اصحاب الاسر الى الاستدانة من الاصدقاء والمعارف، وطلب المساعدة تارة ومد يد العون تارة اخرى للمحتاجين من الاقارب.

اذ تؤكد العديد من العوائل ان الصراح الامني والسياسي في المحافظات وموجة النزوح الكبيرة كشفت معادن الرجال، فمنهم من وقف وقفة الاخ والقريب والاب والصديق، ومنهم من اصبح بالضد حتى وان كان قريبا، فلسان الحال يقول نفسي نفسي .. وليس لي سوى اهلي.

فهذه الحالات التي ذكرت في النقطة السابقة كشفت العديد من الرجال وخيانتهم او دورهم المشرف في مساعدة الاهل والاقارب والاصدقاء .. فمنهم من مد يده الى الخيانات والاتهامات وحصل على بعض الدنانير، ومنهم من ترك دينه من اجل دولارات اخرى، ومنهم من ترك كل شيء وخسر كل شيء بمساعدة صديق.

5- العيش في اقل الممكنات

تتيقن العوائل النازحة انها في حال رجوعها الى منازلهم الاصلية، فانهم سيعيشون على ابسط الممكان، اذ يؤكد اكثر من 70% منهم ان موجة نزوح جديدة ستحصل ولو بعد العودة والاستقرار، فالازمة العراقية مستمرة وكل عام اسوا من سابقه، فلذلك يستعد الجميع للتخلي عن ممتلكاته في اية لحظة بعد الرجوع، وهذا ما دفع العديد ممن رجعوا في الرمادي وغيرها الى شراء حاجيات على قدر الحاجة والاستعمال اليومي فقط.

وحول هذا استمعت في حديثي مع العديد من العوائل النازحة، هل ستقومون بشراء الاثاث المنزلي من جديد؟ وهل ستعيدون قطع الديكور والجماليات والكماليات في غرف النوم والاستقبال ؟! اجابوا باتفاق ان زمن الجمال والديكور قد ولى بعد حين ولن يقوموا بشراء المزيد من الحاجيات التي سيتخلون عنها بعد موجة نزوح يفكر بها النازحون من جديد.

6- المشايخ ليسوا سياسيين

في اول ساعة دخل تنظيم داعش الرمادي والفلوجة ومناطق اخرى، تعالت الصيحات والسباب والشتام على اصحاب العمائم واصحاب ما اسموهم "المنصات" في اشارة منهم على الحراك الشعبي الذي قام في عدة محافظات سنية، .. انهم هم السبب وراء كل شيء .. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت للمشايخ وللحراك فان المواطنين اصبحت لديهم قناعة بان المشايخ ليسوا بسياسين وان مكانهم المساجد لامكان اخر.

الامر ذلك ادى الى نشر الفكر العلماني والليبرالي بين اوساط بعض العوائل النازحة كحالة فكرية جديدة بفصل الدين عن الدولة، ووجوب امر ذلك بعد ما شاهدوه من فشل الحراك، واصبح المواطن الملتزم ضحية الانتقاد بين الاتهام واصاق العمالة لحزب معين، او العيش في منزله خلف باب مسدود لايستقبل فيه احدا سوى الحفاظ على ماتبقى من شتات العلاقات العائلية القريبة.

7- تسييس القنوات والاعلام

شاهدت قبل مدة صورة كاريكاتير معبرة للفنان العراقي ميثم راضي، بعنوان "الصورة الكاملة للاعلام" وهي صورة تعبر عن قناعات العوائل العراقية وخصوصا النازحين، ممن تشكلت لديهم رؤية وتوجه لكل قناة عراقية (اكثر من 100 قناة) حيث تتوجه السياسة التحريرية لكل قناة بحسب توجه الحزب الداعم لها وبحسب الطائفة المنتمية لها باخذ زوايا محددة من الحقائق والوقائع واخفاء صور اخرى ..

ذلك البعد من التسيسي المذهبي والسياسي المؤلدج والمستخدم في الاعلام العراقي دفع العديد من المواطنين التوجه الى منصات التواصل الاجتماعي واخراج الجزء الاكبر من المخيلة العاطفية والتحليلية الاعلامية والصور والاخبار الانية بتوجه حر وبفكر اقرب من الواقعية للمواطن البسيط.

 

8- اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب

في دراسة اجريتها شفهيا بمشاركة اعلاميين ومهندسين وتجار، ظهرت لي ان العائلة النازحة الواحدة افنقت بالمجموع مايقارب 20 الف دولار خلال تنقلاتها عبر المناطق الامنة، شملت تلك الدراسة تكاليف النقل والايجار والمصاريف الطارئة كتسجيل البيانات والوثائق الرسمية للهجرة وغيرها.

وللوهلة الاولى يبدو الرقم مهولاً .. الا ان المواطن النازح يعرف ما ارمي اليه، وبوجود حاسبة جيب صغيرة نستطيع حساب مجموع ما انفقته العائلة النازحة خلال عامين، فقد تيقن الجميع بالمثل العراقي الشهير "اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب" .. فاليوم لدي ما انفقه لتمشية الحال وشراء الخضار، وغدا لاافكر به وليس لدي ما ادخره لمستقبل زاهر.

 

9- توقع المفاجئآت في اي لحظة

يتوقع الكثير من العوائل النازحة  داخل اقليم كردستان (ولو بنسب قليلة) حصول امر مفاجىء للسياسة الكوردية مع النازحين وطردهم من منازلهم كما حصل في عام 2014، الا ان الشعارات التي وضعتها حكومة الاقليم داخل مركز اربيل "هنا كردستان موطن التعايش السلمي" طمأن العديد الاخرين بصفاء النية وبقاء الحال كما هو.

واخرون نازحون يشاهدون جوالاتهم ينتظرون خبر مفرح ايجابي ويتوقعون خبر اخر صادم، .. فقد تعرض العديد من كبار السن الى جلطات دماغية، كما سجلت العديد من الوفيات بهذا السبب فور سماعهم خبر مقتل ابنه او تفجير منزله او سرقته او نحو ذلك، .. وتجنبا للوقوع بهذه الصدمات الكبيرة .. يتوقع الكثير بالاسوا.

10- لاشيء  اثمن من الحياة

يتحدث النازحين حديثا من المناطق الساخنة من الرمادي والفلوجة، ان ما تعرضوا له من حصار كبير وانتهاكات جسيمة من ضرب وشتم واعتقال واصابة، والاهانة وفقدان الاهل والاقارب .. انه لاشيء اثمن من الحياة الحرة الكريمة، حتى وان كلف ذلك كل الاموال وكل الممتلكات..

وفي ذات السياق يحكي العديد من العوائل قصصهم حول دفع الالاف الدولارات كفدية لداعش او الحشد او الجيش بحسب المنطقة، بغية الخروج الامن والبقاء على قيد الحياة، والهروب نحو ملاذ اقل خطورة من الاصابة بصاروخ سقط "سهوا" من جانب القوات الحكومية، او اخرى هامشية لايعرف مصدرها.

واخيرا وليس اخرا .. فلدى العوائل النازحة العراقية الالاف القصص والعبر التي يتعلموها كل يوم في موطن اصبح فيه نيل الكرامة بابسط مقومات الحياة امرا من ضروب الخيال والامنيات، ويتشاركون هذه القصص في جلسات اجتماعية توطد العلاقات وتلم شتات ما تبقى على قيد الحياة بعد مواسم التشريد والتفرقة التي تسببتها موجات النزوح.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: