واقع العراق.. تشتت جبهات القتال وتفكك المنظومات السياسية

عمر مختار 6K مشاهدات0

   خاص 

ربما شكّل التحرّك العسكري نحو الفلوجة أواخر الشهر الماضي ومطلع الشهر الحالي تحولاً في خريطة المواجهة التي أعلنتها الإدارة الأمريكية -وإن كانت بشكلٍ غير مباشر- خلال لقاءات مسؤوليها مع المسؤولين العراقيين.

فالأولوية كانت وفق الوجهة الأمريكية للموصل فيما كان ملف الفلوجة مؤجلاً إلى العام القادم.. فما الذي حصل؟ ثم لماذا تراجع التحرّك العسكري المزمع إتمامه لعملية السيطرة على الفلوجة أو تباطأ بمقابل إعادة فتح جبهة الموصل مجدداً؟

في تقديرنا للموقف هنا سنحاول المزاوجة بين المشهدين السياسي والعسكري عراقياً للوصول إلى الصورة الكاملة للأحداث ولمحاولة تخيّل المشهد القادم في هذا البلد عبر الإجابة على التساؤلين أعلاه.

كان التحرّك باتجاه الفلوجة ومنذ بدايته يحمل دلالات أو مؤشرات التعاون والتنسيق الأمريكي- الإيراني في العراق لاسيما بعد أن قدم زعيم الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني للإشراف على العمليات هناك.

إلاّ أن الصورة ما لبثت أن أنعكست بصورة كبيرة، لتنحسب أغلب مجاميع الميليشيات الشيعية الممثلة للحشد الشعبي تاركةً الساحة لأبناء العشائر، متأثرةً بثلاثة عوامل مهمة:

  1. توقف الغطاء الجوي الأمريكي للمعارك بصورة كشفت الفصائل الشيعية في مواجهة عناصر تنظيم “داعش” المعروف عنه ضراوته في حرب العصابات ما كبّد المجاميع الميليشياوية الشيعية مئات الضحايا وخلال مدة وجيزة.
  2. تسريب مقاطع فديو لعمليات تعذيب طائفي أرتكبها عناصر ميليشيا الحشد الشعبي بحق أبناء الفلوجة والمناطق المحيطة بها ما خلق ردة فعل شديدة السلبية على المستوى الإعلامي من سلوك تلك المجاميع عربياً وإسلامياً ودولياً، فأظهر الوجه الحقيقي لتلك المجاميع وحطّم تلك الصورة التي لطالما حرصوا على إظهارها طيلة العامين السابقين.
  3. بدء عمليات إعتداء على مقرات الأحزاب الحاكمة –تحديداً حزب الدعوة- وصل بعضها إلى حد إغلاق تلك المقرّات في المحافظات الجنوبية على يد متظاهرين ينتمون للتيار الصدري ما أظهر إنكشاف ظهر تلك الأحزاب التي دفعت بميليشياتها إلى معركة الفلوجة وبأعداد كبيرة واضطرها لسحبهم فيما بعد باتجاه محافظاتهم.

وهنا لابد من التذكير بأمر هام جداً، وهو أن المجاميع والفصائل الشيعية التي أندفعت باتجاه الفلوجة كانت تعبّر عن جميع مكونات التحالف الوطني الشيعي باستثناء التيار الصدري الذي بدأ يأخذ خطاً منفصلاً عنهم منذ بداية التظاهرات المطالبة بالإصلاح، ما دفع كل المكونات السياسية والعسكرية الشيعية للتجمّع والتوحد في معركة الفلوجة لإظهار نوع من أنواع القوة بمقابل كيان التيار الصدري الذي برز تياراً جماهيرياً لا قبل لهم بمواجهته بعد تمكّن عناصره من اقتحام مراكز صنع القرار في الدولة العراقية المتمثلة بمجلسي النواب والوزراء.

وتشير مصادر مقرّبة من السفارة السعودية في بغداد، أن المملكة تمكّنت من مد جسور للتواصل مع زعيم التيار الصدري والعشائر المنتمية لتياره في محاولة لإحياء الفكرة القديمة الجديدة المتمحورة حول الشيعة العرب وتمييزهم عن الشيعة الإيرانيين أو الفرس، وأن للعرب إنتمائهم القومي المميّز لهم عن القومية الفارسية، وهذا ما صرّح به السفير السعودي ثامر السبهان.

بالتالي فالسعودية اليوم تلعب على خط تفكيك المنظومة الشيعية عبر تقوية التيار الصدري ومحاولة عزله عن الخط الشيعي العام مستثمرةً التأييد الجماهيري الذي يحظى به للضغط على التحالف الشيعي المرتبط أيديولوجياً وروحياً مع طهران ومحاولة تقويض خططه داخل العراق، ولنتذكر هنا أن مقتدى الصدر لم يصرّح مطلقاً بالضد من السفير السعودي على الرغم من تصريحات الأخير المستفزة للتحالف الشيعي.

وبمقابل ذلك تنشط الإدارة الأمريكية في اللعب على أوتار الساحة العراقية عبر محاولة خلق خط سياسي سنّي جديد في المحافظات السنيّة يستلم زمام الأمور بعد إخراج “داعش” منها، لكنها في سعيها هذا تواجه اليوم بتحدي الميليشيات الشيعية المدعومة من طهران، لذلك في تحاول إدارة معاركها بعيداً عن تلك المجاميع بالتفاهم تارةً وبالقوة تارةً أخرى منطلقةً من واقع الانتخابات الأمريكية وليس من واقع مأساة العراقيين أنفسهم.

ولذلك عندما ساء الموقف الانتخابي للديمقراطيين كان التحرّك باتجاه الفلوجة، ولما اندفعت الميليشيات الشيعية بقوة خفّف الأمريكان من تحركهم وسحبوا غطائهم الجوي وبدأت تحركاً على بعد مئات الكيلومترات قرب الموصل حيث المعقل الرئيس لتنظيم “داعش”.

واليوم تسير المعارك بخطى متوازنة في الموصل والفلوجة إلاّ أن حركتها بطيئة جداً، ليس بسبب قوة “داعش” فحسب، وإنما لرغبة أمريكية في إبطاء تلك العمليات بصورة تحقق معها النصر مع حلول شهر تشرين الثاني حيث انطلاقة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

فالمشتركون في معارك السيطرة على الرمادي يؤكدون أن دخول سلاح الجو الأمريكي كان له مفعول السحر في المعارك وحسمها بنسبة عالية قد تصل إلى (90%).

وبين تحالف شيعي ترعاه دولة إيران ومخطط أمريكي يسير وفق تصورات المشهد الداخلي الأمريكي يبقى سنّة العراق بلا هوية وبلا مشروع واضح يزيد من غبشه قوافل النازحين من المدن السنيّة وبأعداد تتجاوز الآلاف وقد تصل لمئات الآلاف مع بداية العملية العسكرية الحقيقية للسيطرة على الموصل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: